نعيش هذه الأيام شهر محرّم وهو من الأشهر الحُرم، حيث كانت القبائل العربية قبل الإسلام تتوقف خلالها عن الحروب والعداءات، لقداسة هذه الأشهر بالنسبة لها، كما يُحيي أخوتنا وأبناؤنا من الطائفة الشيعية الكريمة أيام عاشوراء، تعبيراً عن حزنهم وحزن المسلمين بشكل عام على مأساة الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) سبط الرسول عليه الصلاة والسلام، واستشهاده في سبيل الحق بيوم العاشر من محرم 61 للهجرة الموافق 10 أكتوبر 680 م.
واستذكر في هذه الأيام استلهام العديد من الأدباء والشعراء والمسرحيين والفنانين التشكيليين العرب، من هذه المأساة أعمالهم الفنية والأدبية مثل رائعة عبد الرحمن الشرقاوي «الحسين ثائراً والحسين شهيداً»، وهي من الأعمال المسرحية المهمة، كما استلهم الشاعر البحريني المرموق قاسم حداد بعض روائعه الشعرية من هذه المأساة.
وأستذكر أيضاً علاقاتي وصداقاتي منذ الطفولة بأبناء الطائفة الشيعية الكريمة، حيث لم يلتفت أهل الكويت قديماً إلى أصل ودين وطائفة جاره، بل لم يكن أبناء الطائفة السنية يطلقون لقب شيعة على أبناء الطائفة بل يقولون جعفرية أو بحارنة، وأتذكر أنني كنت أشارك في يوم عاشوراء أخوتي وأصدقائي من الطائفة الشيعية، وأساعدهم في التحضير للمناسبة ونستمتع جميعاً كأطفال بشراب «الشربت» وغداء عاشوراء، فهم كانوا وما زالوا منا وكنا منهم بل وبيننا وبينهم علاقة نسب وتزاوج من دون تفرقة.
وتُحيا ذكرى عاشوراء هذه الأيام في ظل تفتيت طائفي بغيض يعم دولنا العربية والإسلامية، لا يستفيد منه سوى أعداء الشعوب العربية، التي تتغذى على الفرقة وتؤجج الكراهية والعداء بين أبناء شعوبنا.
إن التعصب الطائفي لا يأتي من طرف واحد فقط، بل دائماً يأتي من طرفين بغض النظر عن البادئ، ومن هنا مأساتنا ومقتلنا ونقطة ضعفنا التي ينفذ منها أعداء الأمة، فسياسة فرق تسد التي ابتدعها الاستعمار البريطاني، ما زالت هي السياسة السائدة والمعتمدة لدى الولايات المتحدة ودول أوروبا وإسرائيل، والتي تُوجت بزرع داعش والقوى التكفيرية في مجتمعاتنا.
وتزداد هذه الأيام النغمة الطائفية ونفَسُ الكراهية والعداء بين مكونات مجتمعنا الكويتي، الذي جُبل على المحبة والتسامح والاعتدال واحترام الأديان والطوائف، وانعكس ذلك في دستور البلاد وعلاقة الحاكم بالمحكوم وهو ما شكل الطبيعة الكويتية.
فلم تكن توجد أي إشارة إلى الفُرقة في مناهجنا الدراسية، ولا في الوظائف أو الحقوق والواجبات ،فالجميع بلا استثناء يعود إلى مرجعية المواطنة الدستورية في الدولة المدنية، وليس إلى مرجعية القبيلة أو العائلة أو الطائفة، لكن الشر والجهل والتخلف كان يتربص بنا بعد ما كانت الشعوب تحسدنا على وحدتنا الوطنية واستقرار وتآخي مكونات مجتمعنا، حيث اختلطت دماء السنة والشيعة أثناء الاحتلال الغاشم.
إن موضوع التعصب الطائفي والديني يحتاج إلى معالجة دولة، بمؤسساتها التشريعية والتنفيذية وعقلائها ومثقفيها، وسن تشريعات متشددة ضد هذه الاتجاهات المدمرة، التي نعاني وتعاني الدول العربية منها، وسببت قتلاً ودماراً بل وفظائع وحشية، وأججت ناراً قد لا تنطفئ حتى تدمر مجتمعاتنا، وتعيدنا إلى العصور الوسطى وعصور الظلام.