تابعت المناظرة التي جمعت الأمين العام للحركة التقدمية الكويتية أحمد الديين وعضو الحركة الدستورية الإسلامية مبارك الدويلة قبل أيام على قناة “الراي” وهي مناظرة ثرية وعميقة في معلوماتها وسردها التاريخي بين خصمين لدودين على المستويين السياسي والفكري.
طرح الدويلة، وهو أحد رموز الإخوان المسلمين في الكويت، مغالطات عديدة حول تاريخ اليسار، ووجوده في الكويت وتجاربه في العالم، ولم يكتفِ بذلك، بل قلل من شأنه وأقصاه وحاول تشويه صورته، ليوهم الناس بانتهائه، وهو أمر عار من الصحة تماماً في الوقت الذي خلط فيه الأخ الدويلة الحابل بالنابل، حيث لم يفرق بين اليسارية والليبرالية وغيرها من المدارس الفكرية، وسأرد في مقالتي على بعض هذه المغالطات والتحليلات الهشة التي استند إليها، وهو شخصية سياسية قيادية يفترض ألا تغيب عنه.
بعد الأزمة البنيوية العميقة في النظام الرأسمالي العالمي عام ٢٠٠٨، أعيد الاعتبار للخط اليساري والقوى الاشتراكية والتقدمية في العالم التي بدأت حينها ترتب صفوفها وتتكاثر بشكل كبير وملحوظ لتقبل الشعوب لخطابها المنحاز للعدالة الاجتماعية، وتبنيها الدفاع عن المكتسبات الشعبية حتى أصبحت تتصدر المشهد السياسي في دولها من جديد، بل تقود حكومات في شتى بقاع العالم، وهناك أمثلة لتجارب عديدة تعمل من خلالها القوى التقدمية وفق ظروف ومعطيات مختلفة كالتجربة الإسكندنافية الفريدة في أوروبا التي تقوم أنظمتها على الاشتراكية الديمقراطية التي ارتبطت بالفلسفة الماركسية.
ولنا مثال آخر في الاشتراكية الصينية بقيادة الحزب الشيوعي الصيني الذي ناضل ضد الاستعمار حتى تحولت الصين من بلد متخلف يعاني براثن الفقر وانتشار الأوبئة إلى بلد قوي اقتصادياً، ويصنف ثاني قوة اقتصادية في العالم، ولنا مثال أيضاً في التجربة الاشتراكية اللاتينية في ڤنزويلا وكوبا التي تعتبر مثالاً للتعليم الذي يحتذى به في العالم حسب منظمة اليونسكو، وتمكنت من بناء أحد أفضل أنظمة الخدمات الصحية على مستوى العالم، وغيرها من التجارب التي تتطور يوماً بعد يوم رغم التشويه والحصار الاقتصادي الذي تتعرض له من الإمبريالية الأميركية.
وفي الكويت أيضاً بعد عام 2010 برزت الاتجاهات اليسارية بقوة في التيار الوطني الديمقراطي مع تأسيس الحركة التقدمية الكويتية (وهي امتداد لحزب اتحاد الشعب الذي تأسس في منتصف سبعينيات القرن الماضي)، وفي حليفها الاستراتيجي المنبر الديمقراطي الكويتي الذي انتخب أمانة عامة يغلب عليها الطابع اليساري والقومي، وبدا ذلك واضحاً مع تصدي الحركة الوطنية والتقدمية لمشاريع الخصخصة والهجمة على معيشة الناس مع رفضها لقمع الحريات وتضامنها مع جميع معتقلي الرأي، لذلك هي جزء أساسي في الساحة السياسية الكويتية ووريث شرعي لنضالات الحركة الوطنية التاريخية.
في النهاية نحن نتقبل الاختلاف والتنوع الفكري مع جميع التيارات السياسية بمختلف أشكالها دون إقصاء، أكرر نتقبل الاختلاف لا التدليس.
بقلم أسامة العبدالرحيمالثالث من فبراير / شباط ٢٠١٨جريدة الجريدة الكويتية