رغم التطمينات الحكومية حول عدم تأثر الميزانية العامة بالانخفاض الحاد لأسعار برميل النفط، إلا أن القلق بدأ يساور أكثر المتفائلين بالاستقرار والأمان المعيشي، ومهما أكد المسؤولون أن ترشيد الإنفاق لن يمس الفئات متوسطة ومحدودة الدخل، إلا أن التوجهات الحكومية والمنشورة في الصحافة اليومية، تشير إلى نية لتقليص بنود الإنفاق الاجتماعي الضرورية، وتحميل الفئات الشعبية أعباء العجز القادم في الميزانية.
فكل السياسات والقرارات لا تشير إلى توجه لرفع أو تحسين المستوى المعيشي للمواطنين، أو إلى تنمية إنسانية «مستدامة»، أو لوضع حلول جادة منها تنويع مصادر الدخل والتنمية الذاتية، وصناعات لا تنضب مثل سلعتنا الوحيدة وهي النفط، الذي تشهد أسعاره انخفاضاً وتذبذباً مقلقاً.
وجاء عرض وزير المالية على مجلس الوزراء في اجتماعه رقم (49-2 /2014)، حول مناقشة مشروع ميزانية السنة المالية 2015-2016، بخلاصة اتخاذ إجراءات مقترحة، بشأن مواجهة الانخفاض الذي طرأ على أسعار النفط العالمية، مثل ضرورة عدم الموافقة على أي تعديلات في كوادر المرتبات الحالية، وتوجيه ديوان الخدمة المدنية وجميع الجهات الحكومية بعدم النظر في أي توسع في الهياكل التنظيمية الحالية، تجنباً لتحميل الميزانية العامة للدولة أعباء مالية إضافية، وكذلك بحث التوقيت المناسب لطرح وتنفيذ البديل الاستراتيجي للمرتبات نظراً لما يتضمنه من أعباء مالية إضافية وما لها من مزايا على المدى البعيد، وأيضاً إيقاف الترقية بالاختيار في حال استمرار انخفاض أسعار النفط.
فهل من بين هذه القرارات ما يتناول أو يعالج الهدر العام للميزانية؟ أو معالجة الخلل البنيوي في اقتصادنا؟ أو سوء استغلال الثروة؟ أم أن الوضع الاقتصادي المأزوم آخذ بالتدهور جراء التوجه لتنفيع كبار الرأسماليين، عبر ضخ المال العام من خلال المناقصات المليونية، والاتجاه لتصفية القطاعين العام والتعاوني عبر خصخصتهما، تنفيذاً لأوامر صندوق النقد والبنك الدوليين، التي أثبتت فشلها وكارثيتها على شعوب ودول أخرى.
هذا ناهيك عن استيلاء كبار الرأسماليين المتنفذين على الأراضي المملوكة للدولة، وتعرض المال العام وصندوق الأجيال القادمة للنهب المنظم دون حسيب أو رقيب، واستشراء الفساد والإفساد، في ظل تدهور البنية التحتية وتردي جميع الخدمات.
إن المواطن الكويتي مقبل على زمن مظلم ومستقبل مجهول، ستتدهور خلاله مستويات المعيشة في جوانبها المختلفة، وسيحمل هذا المواطن مزيداً من الأعباء ثمناً لمقامرة الكبار وتسابقهم على نهب ما تبقى من ثروة البلاد بكل الطرق، فكل المشروعات الضخمة التي تزمع الحكومة إقامتها هي مشروع سرقة وتنفيع.