أقام مركز دراسات الخليج والجزيرة العربية في جامعة الكويت حلقة نقاشية مخصصة لقراءة الخطاب الأميري الأخير، ولكن المؤسف أن بعض الأكاديميين استغل تلك الحلقة النقاشية ليحرفها عن هدفها المعلن وليطلق دعوات خطرة تستهدف التحريض على الحياة الدستورية والنيابية وتدفع باتجاه الانقلاب مجدداً عليها وتعليقها لفترة من الوقت، تحت ذريعة إتاحة الفرصة لتحقيق الإصلاح.
إنّ هذه الدعوة الخطرة للانقلاب على الدستور لا يمكن تبريرها بأي حال من الأحوال، وليس مقبولاً القول إنها تقع ضمن دائرة حرية البحث العلمي في المؤسسات الأكاديمية، وإنما هي في واقع الأمر تحريض سياسي سافر يستهدف تقويض أحد أهم المكتسبات الشعبية والوطنية الكويتية، ما يوجب التصدي له ورفضه.
إنّ دعوات التحريض للانقلاب على الدستور تهدف بصورة لا لبس فيها ولا غموض إلى إعادة الكويت مجدداً لتكرار تجارب تاريخية سلبية أليمة بائسة سبق أن رفضها الشعب الكويتي في النصف الثاني من السبعينات والنصف الثاني من الثمانينات، تمثلت في تعطيل الحياة الدستورية والنيابية والتضييق أكثر فأكثر على الحريات العامة والتفرد بالقرار ومحاولة تنقيح الدستور على نحو مخالف لما هو مقرر فيه من أحكام، وكانت عواقبها بالغة السوء والضرر على الدولة وعلى المجتمع وعلى الاقتصاد، حيث أدّت على سبيل المثال لا الحصر إلى أزمة المناخ في بداية الثمانينات، وسهّلت سرقة الاستثمارات الخارجية واختلاسات الناقلات في نهاية الثمانينات وبداية التسعينات، وساعدت على تحويل البلاد إلى لقمة سائغة مكشوفة الظهر استهدفها النظام العراقي البائد في عهد المقبور صدام حسين بالغزو والاحتلال جراء تهميش دور المؤسسات الدستورية والتراخي والإهمال في مواجهة المخاطر والتهديدات والمؤامرات الخارجية.
ولهذا فإننا نذكّر هنا بما جرى الاتفاق عليه في المؤتمر الشعبي المنعقد في جدة في أكتوبر ١٩٩٠ خلال فترة الاحتلال بالالتزام المعلن والواضح من صاحب السمو الأمير المغفور له الشيخ جابر الأحمد أمام الكويتيين خصوصاً والمجتمع الدولي كافة بعودة العمل بالدستور بعد التحرير والتعهّد بتطبيقه.
واليوم، إن كانت هناك نيّة جادة لتصحيح المسار وتحقيق الإصلاح ومكافحة الفساد والسير على طريق التنمية، فإنّ هذا كله يجب أن يتم في إطار الدستور نفسه، وليس بالانقلاب عليه وتعليقه، كما يروّج أصحاب هذه الدعوات المغرضة.