المادة السادسة من دستور الكويت تنص على أن نظام الحكم في الكويت ديموقراطي، السيادة فيه للأمة مصدر السلطات جميعاً وتكون ممارسة هذه السيادة على الوجه المبين بهذا الدستور. وهنا نقف قليلاً لنفكر ونتساءل، ما هي الديموقراطية؟
منذ أن بدأ العمل بدستور 1962 ونحن نتغنى بالديموقراطية، وبأننا نعيش في دولة تميزت عن نظيراتها بنظامها الديموقراطي والهامش الكبير من الحريات. فهل نحن فعلاً دولة ديموقراطية؟… فمصطلح الديموقراطية أو (Democracy) هو مصلح اغريقي يعني حرفياً «حكم الشعب»، حيث تعتبر الديموقراطية شكلاً من أشكال الحكم يقوم على التداول السلمي للسلطة وحكم الغالبية ؛ فالشعب في أي دولة كانت، يتكون من فئات وطبقات مختلفة وبالتأكيد لكل منها مصالح معينة قد تتعارض مع مصالح الفئات والطبقات الأخرى، لهذا جاء مصطلح الديموقراطية كنقيض وضد لمصطلح الأرستقراطية والذي يعني حرفياً «حكم النخبة».لذلك فعندما نقول إن نظام الحكم ديموقراطي، فهذا يعني تمكين الشعب من إدارة أموره، وهذا ما يتحقق عندنا من خلال مجلس الأمة، فهو المشرع للقوانين وهو المراقب على تنفيذها والتأكد من إدارة الدولة بما يخدم مصلحة الشعب، ولكن الحقيقة أن مجلس الأمة لا يملك الأدوات الكافية التي تجسد المعنى الحقيقي للديموقراطية، فمجلس الأمة أو لنقل مجازاً «الشعب» لا يملك حق اختيار أعضاء الحكومة التي يفترض بها أن تنفذ المشاريع وتطبق القوانين وتضع خطة العمل. وهو لا يملك أن يرفض التشكيل الحكومي أو أن يطرح الثقة بمشروع الحكومة أو خطة عملها، ولكن لديه حق السؤال واستجواب الوزراء «فرادى» وسحب الثقة من الوزير المستجوَب، وهذا ما لم يتحقق منذ بداية العمل بالدستور وحتى يومنا هذا… ولا أعتقد بأنه سيتحقق في ظل هذه المنظومة.الأصل في أغلب الديموقراطيات العالمية هو تداول السلطة، ونعني بالسلطة البرلمان والحكومة معاً، حيث إن المجموعة أو الحزب الحائز على غالبية مقاعد البرلمان في تلك الدول هو من يشكل الحكومة وينفذ من خلالها البرنامج الذي طرحه للجمهور. ففي تلك الدول لا يتم انتخاب النائب لأن فخذه هو الأكبر في القبيلة، أو لأنه شاطر في تخليص المعاملات والحصول على استثناءات للعلاج في الخارج لأهالي الناخبين، بل يتم الاختيار حسب البرنامج الذي تنوي المجموعة تحقيقه في حال فوزها بثقة الناخبين، فإن نجحت تلك المجموعة بتحقيق برنامجها فسيجدد لها الشعب ويمنحها ثقته، وإن فشلت أو جاءت مجموعة أخرى ببرنامج أفضل، فسيتم تغيير تلك المجموعة، وهنا يتحقق التداول السلمي للسلطة بشكله الطبيعي.أما عندنا في الكويت فلدينا ديموقراطية عرجاء، ديموقراطية شكلية تتمثل بوجود عملية انتخابية فقط، فلا وجود لما نسميه تداولاً للسلطة، بل لا يمكنك حتى أن تختار خطة الحكومة أو برنامجها، كما أن اختيار النواب لا يتم على أساس برامج أو خطط أو تصورات، بل يتم الاختيار غالباً لأسباب عرقية وطائفية؛ فهذا ممثل القبيلة وذاك ممثل الطائفة، فتنتهي فكرة أن يتم تمثيل الغالبية في البرلمان، حيث يتم تقسيم الشعب لقبائل وطوائف تتناحر على الرغم من أن مصالحها مشتركة، بينما يغيّب التقسيم الطبقي الطبيعي في أي مجتمع.مشكلتنا في الكويت أننا نعلم بأن ديموقراطيتنا شكلية، ولا نريد أن نغير ذلك. نعلم أن الشعب مصدر السلطات على الورق فقط، وندعو ليل نهار «الله لا يغير علينا». مشكلتنا أننا نعرف أن الخلل الأساسي في المنظومة السياسية واعتمادها على العمل الفردي هو سبب تأخرنا وفشلنا في انجاز أي مشروع تنموي، ولكننا مستفيدون كذلك من الواسطة ونواب الخدمات…نعلم بأن الصراع الطائفي أو القبلي الحضري صراع غير حقيقي، وأننا جميعاً متضررون من انعدام العدالة في توزيع الثروة، ومع ذلك نضحك ونسخر من أي تحليل طبقي، ونفزع للطائفة والقبيلة… ولذلك فنحن ندور في حلقة مفرغة من دون أي تقدم، بل بالأحرى حتى من دون ديموقراطية!