مرت يوم الجمعة 24 أكتوبر الجاري الذكرى السنوية الأولى لوفاة المفكر اللبناني الكبير محمد دكروب، والتي صادفت الاحتفال بالذكرى التسعين لتأسيس الحزب الشيوعي اللبناني، حيث تأسس في العام 1924 تحت اسم «حزب الشعب».واستدعيت العديد من الذكريات والأحاديث والحوارات مع الصديق الرائع محمد دكروب، والتي كانت تستغرق في بعض الأحيان ساعات، وكان لي شرف تقديم ورقة في الندوة التكريمية له والتي أقامتها مجلة الطريق في أواخر مارس الماضي.
ودكروب الذي يعد من أبرز المفكرين العرب، كتب تاريخ الحزب الشيوعي في كتابه الشهير «جذور السنديانة الحمراء»، الذي كما كان يقول إنه لم يكن يتوقع أن يكون بهذا الحجم الضخم، ويستغرق سنوات في كتابته، وحكى لي بصدق وحميمية الصعوبات والتحديات التي واجهته في جمع العديد من التفاصيل والمعلومات، كثير منها أخذه من شهادة بعض من لهم علاقة بالتأسيس، وبالسنوات الأولى لعمل الحزب ونضالاته وشهدائه.
وقال دكروب ضمن ذكرياته وما اكتشفه أثناء بحثه، أن كل شيء جميل وتأسيسي في هذا البلد «لبنان»، كان للشيوعيين المبادرة الأولى فيه والعمل الدؤوب من أجل تحقيقه، مثل مقاومة الاستعمار الفرنسي وتحقيق الاستقلال الوطني والتعليم الحديث بمناهجه، وبالأخص تأسيس الجامعة اللبنانية، إضافة إلى المساهمات الثقافية الأدبية والفنية العديدة، وكذلك المساهمات الفكرية التي يعتبر الشهيدان د.حسين مروه ومهدي عامل وآخرين من أبرز روادها وواضعي أسسها العلمية، مروراً بتأسيس جبهة المقاومة الوطنية «جمول» التي كان لها الدور الأبرز في مقاومة الاجتياح الإسرائيلي عام 1982، حتى تم دحره وانسحابه، ولم يكن ذلك من دون ثمن بل قدم الحزب الآلاف من الشهداء والمعتقلين، وكان أكثر التنظيمات السياسية التي قدمت ضحايا، منهم أمناء عامون وكوادر متقدمة ومفكرون ومثقفون ومعلمون وطلبة وعمال وفلاحون، وواجه الحزب ببسالة ودأب التحديات الخارجية والنظام الطائفي الداخلي، إذ يكاد أن يكون الحزب الوحيد العابر للطوائف ونظام المحاصصة في لبنان.
وعندما سألته:« وماذا عن حملة العداء للحزب وفكره، وأن الفكر وأحزابه انتهت بعد سقوط تجربة الاتحاد السوفييتي»، ضحك وقال:«هل يوجد حتى الآن ناس وقوى سياسية يتحدثون عن ذلك؟»، ويؤكد رحمه الله أن العداء هو الجامع المشترك بين القوى الدينية المتشددة والأنظمة التابعة والعميلة، وللأسف بعض القوى الليبرالية والقومية، التي بعدائها هذا تضعف معركة التقدم وبناء مجتمعاتنا العربية، والتصدي للهيمنة الغربية والإسرائيلية وقوى الإرهاب، في الوقت الذي يجب فيه أن نحترم أفكار بعضنا وتوجهاتنا وخياراتنا، ونفكر في المصلحة الوطنية والقومية المشتركة لا المعارك الجانبية التافهة.
هذا الحديث دار في الوقت الذي يشهد فيه العالم نهوضاً يسارياً، وتعود مكانته إلى الصدارة خاصة بعد الأزمة الاقتصادية الرأسمالية البنيوية الحادة في العام 2008، التي أثبتت أن هذا النظام ليس نهاية التاريخ كما يزعم فوكوياما.