على درب القادة الوطنيين الكبار الذين شكلوا بوعيهم المتقد وعملهم الدؤوب، سيما مرحلة كاملة من الكفاح الوطني من أجل الاستقلال الوطني والديمقراطية والتقدم الاجتماعي، رحل عنا القائد الوطني الفذ الدكتور علي دويغر، أحد مؤسسي جبهة التحرير الوطني في البحرين؛ وأحد قادتها الكبار الذين اضطلعوا بدور مهم في بناء تنظيمها وفي صوغ وثائقها البرنامجية ورؤاها السياسية وفي نشر الوعي التقدمي في البلاد، كما اضطلع بدور مهم في تأسيس علاقتها الكفاحية بقوى ومنظمات التقدم والسلم والتضامن في العالم، وفي سبيل ذلك دفع ضريبة مواقفه الوطنية بالسجن والنفي، ولم يفت ذلك من عضده أو يضعف إرادته.
بصمات علي دويغر واضحة في صوغ أول برنامج سياسي للحركة الوطنية والتقدمية التي تشكلت وناضلت بشكل سري بعد قمع هيئة الاتحاد الوطني في الخمسينات، ونعني به أول وثيقة برنامجية لجبهة التحرير الوطني التي عرفت ب»برنامج الحرية والاستقلال الوطني والديمقراطية والتقدم الاجتماعي والسلم» الذي صدر في عام 1962، بعد مناقشته في منظمات وخلايا الجبهة يومذاك، كما أن علي دويغر بالذات كان من وضع مسودة برنامج كتلة الشعب لانتخابات المجلس الوطني في مطالع السبعينات، حيث كان مقرراً ان يكون أحد مرشحي الكتلة، لولا أن إيان هندرسون أمر بنفيه من البلاد إلى دولة الكويت، نظراً لدوره المحوري في جهود تأسيس الكتلة وفي مجمل العمل الوطني في البلاد.
وكان علي دويغر أحد أبرز قادة جبهة التحرير الوطني في إنتفاضة مارس 1965، حيث تم إعتقاله بعد قمع الانتفاضة، وكان آخر من خرجوا من المعتقل بين المناضلين والوطنيين الذين طالتهم الاعتقالات والسجن في تلك المرحلة، وبعد خروجه من السجن استمر في نضاله الوطني، قبل أن يسافر لمواصلة دراساته العليا في السويد التي نال منها شهادة الدكتواره، وهناك كانت له مساهماته في العمل الطلابي والوطني، وكان هذا دأبه بعد عودته للبحرين مجدداً، حيث بقي فيها إلى حين اشتداد المرض عليه في السنوات القليلة الماضية مما أضطره للالتحاق بعائلته في السويد مجددا، حيث وافاه القدر المحتوم هناك.
إلى جانب دوره الوطني كان علي دويغر باحثاً نابهاً قدَّم دراسات مُهمة عن خصائص التطور الاجتماعي السياسي في البحرين، بينها تلك الأطروحة التي نال عنها درجاته العلمية في جامعة لوند بالسويد، ومن أبحاثه المهمة بهذا الصدد: «تحليل مقارن للإدارة العامة في البحرين»، «تأثيرات اللؤلؤ والنفط على العمل في البحرين»، و«الرأسمال الأجنبي والنمو السكاني»، فضلاً عن دراسات أخرى تتصل بقضايا الإصلاح الزراعي.
في دراساته اتبع علي دويغر منهج التحليل العلمي، المادي التاريخي، في رصد وتحليل البنية الاجتماعية والطبقية في مجتمع البحرين في الفترات التي غطاها في بحوثه، فهو على سبيل المثال يقدم في بحثه عن آثار صناعة اللؤلؤ والنفط توصيفاً للتركيب الطبقي في المجتمع البحريني، ملاحظاً أن المظاهر الإقطاعية ظلت فاعلة رغم تقدم علاقات الانتاج الرأسمالية مع مجيء النفط، مما أوجد تركيبة طبقية غريبة، أو حالة خاصة، وهو بهذا كان يتلمس مبكراً ما يتركه النفط من تأثيرات في بنية اجتماعية محافظة.