"بسكم سياسة" ... "دخلتوا السياسة في كل شي" ... "ما عندكم سالفة ثانية غير السياسة؟"... مجموعة من الجمل أسمعها كثيراً من أناس ليسوا مهتمين بالسياسة وبعضهم من ذوي الميول سلطوية وآخرون غيرهم.
صحيح لقد بتنا ننام ونصحو على الموضوعات السياسية ... في البيت وفي العمل وفي الديوانيات في الأفراح وحتى في العزاء ... في كل مكان نتكلم عن السياسة!
لماذا؟ وكيف وصلنا إلى هذه المرحلة ؟ هل المشكلة تكمن فينا نحن؟ ألا يوجد ما يمكن أن نهتم به غير السياسة؟
يقول لي أحد الأصدقاء: المشكلة في المجتمع، فالشعب "فاضي وما يشتغل" لذلك يشغل الفراغ بالسياسة.
وآخر يقول: المشكلة في السلطة .. لأنها لم تحكم قبضتها و سمحت لـ "عوير وزوير" بالتدخل بأمور الدولة، فالدولة تحتاج إلى قيادة قوية ولن ينفع معنا إلا "المستبد العادل"!
ويأتي الثالث ليضيف: مشكلتنا هي عدم وجود ثقافة، فالمجتمع رغم أنه متعلم إلا أنه غير مثقف ويجب أن نقوم بتثقيفه!
وبالطبع هناك غير ذلك الكثير من الآراء.
شخصياً أعتقد أنه من الطبيعي أن نرى الجميع يتحدث في السياسة، لأن وضع البلد لا يسر وعجلة التنمية "نايمة" - كما يقول إخواننا المصريون عن "البنشر"- فلا السلطة ولا "نوابها" يستطيعون الإجابة عن "سؤال المليون": "وين رايحين"؟
أما مَنْ يقول إن الشعب فاضي فعليه أن يسأل نفسه مَنْ المتسبب في ذلك؟ مَنْ أسس للبطالة المقنعة ومَنْ هو المستفيد منها؟
وأما مَنْ يريد "المستبد العادل"، فالرد عليه خسارة حبر وورق ... ولو طلبت من ابني ذي الخمس سنوات أن يرد عليه لقال له: ماذا لو مات هذا "المستبد العادل"؟
و مَنْ يقول إن تثقيف المجتمع هو الحل، لا اختلف معه حول أهمية زيادة ثقافة ورفع مستوى وعي المجتمع، ولكن كيف؟ كيف سنقوم بتثقيف المجتمع؟ عن طريق الندوات؟ المقالات؟ البرامج الحوارية؟
كيف نقوم بتثقيف المجتمع في ظل وجود سلطة لا تؤمن بحرية الرأي؟ كيف ونحن لدينا سجناء كلمة؟ كيف ومعرض الكتاب قد أصبح معرضاً لكتب الطبخ؟ كيف والسلطة تمنع المثقفين من دخول البلاد "ما لم يكونوا على هواها طبعاً"؟
كطبيب، تعلمت أن بداية العلاج هي التشخيص، وأن المسكنات مهما كانت قوية سيزول تأثيرها وأنه ما لم يتم علاج سبب المرض فلن تفيد معالجة أعراضه .. لذلك أنا مؤمن أن ما نراه من مشاكل ما هي إلا أعراض للمرض، وما تفعله السلطة ما هو إلا محاولة لعلاج الأعراض وتسكين الألم دون الالتفات للسبب الحقيقي للمرض.
والمرض هو عدم إيمان السلطة بالدستور وعدم اعترافها بالديمقراطية ... لذلك فمن باب أولى أن نقوم بمعالجة المرض وإصلاح هذه السلطة وتعديل مسارها.
ولهذا السبب فالسياسة ستبقى الموضوع الأهم في هذا البلد ... ومن بعدها "الحداق"!