الأسباب التي دعت إلى مقاطعة الانتخابات الماضية ما زالت قائمة، لذا فإن مبدأ الاتساق يتطلب أن يقاطع الانتخابات القادمة كلّ من قاطعها في السابق، بل إن تلك الأسباب تفاقمت عدداً وتعاظمت خطراً، فنحن الآن أمام التزام أخلاقي إزاء من ضحوا من أجلنا جميعاً، فمنهم من تصدى لبطش القوات الخاصة بأجسادهم العارية، ومنهم من ضحى بحريته ليدخل غياهب السجن، لذا فإن المشاركة في الانتخابات القادمة تعني الاستخفاف بتضحيات الشباب والتفريط بأهدافهم النبيلة.من السهل وصف أولئك الشباب بالمتهورين والغوغائيين والمغرر بهم، لكن الحقيقة تشير إلى أنهم خاضوا تجربة مريرة وخرجوا منها بدرس مفاده أن الحرية لا تمنح طواعية بل يجب انتزاعها، وهو درس عصيّ على الفهم عند أولئك الذين طأطؤوا رؤوسهم أمام بريق المال وعظمة الجاه.بالطبع، هناك من يحلو له أنّ يردّد شعار "احترام القانون واجب أخلاقي"، لكن لا يمكن لأي إنسان عقلاني أن يقبل هذا الشعار بهذا الشكل المطلق، فالقانون العادل فقط هو الذي يكون احترامه واجباً أخلاقياً، ولعلّ لنا في سيرة "مارتن لوثر كينغ" أسوة حسنة، فبعد أن قاد هذا البطل المظاهرات التي تحدّت قوانين التمييز العنصري، رفع العنصريون البيض من الشعب الأميركي شعار "احترام القانون واجب أخلاقي"، فما كان من "لوثر" إلاّ أن أجابهم بمقولة "سان أوغستين" الشهيرة: "القانون الظالم ليس بقانون على الإطلاق"!لكن ما الذي يحدد عدالة القانون وأحكامه؟ العدالة ليست مرتبطة بمضمون الحكم أو بالنتيجة التي يصل إليها القانون، ولو كان الأمر كذلك لأصبح الحكم نفسه عادلاً بالنسبة إلى طرف وظالماً بالنسبة إلى طرف آخر، بل إنه مرتبط بالآلية التي يصل من خلالها القانون إلى أحكامه، ولهذه الآلية شروط تهدف إلى ضمان عدالة الأحكام، من أهمها الاستقلالية في الرأي، والالتزام بحدود الاختصاص، والاتساق في إصدار الأحكام، والشفافية في عرض القضايا محل الخلاف، والأهم من ذلك كله، نيل ثقة الشعب الذي هو مصدر كلّ السلطات.لقد أثبتت الأحداث الأخيرة على الساحة المحلية أنّ درجة الاحتقان في الشارع الكويتي لم تصل إلى القدر الذي يجبر السلطة على الحوار والتفاوض على صيغة توافقية ترضي جميع الأطراف، ويبدو ألا خيار أمام الشباب الوطني سوى الاستمرار في المطالبة بالإصلاح الشامل من خلال الطرق السلمية كافة. ليس ثمة حلول سحرية، فالطريق طويل وشاق، وهناك من تخاذل فسلك طريقاً آخر، وهناك من تقاعس فتوقف عن المسير، لكن هناك أيضاً من تأبى كرامته إلاّ أن يسير على طريق الحرية إلى آخر مداه!