سبق أن ذكرنا أن الصراع الرئيسي في الكويت ليس صراعاً فئوياً أو طائفياً كما يتوهم بعض الناس وكما تروّج بعض وسائل الإعلام، فالهموم المعيشية للمواطنين المنتمين إلى الطبقة الوسطى متشابهة، وكذلك الحال بالنسبة للفئات الشعبية والفقيرة لذلك يجب عليهم عدم الانشغال بأمور هامشية وخلافات جانبية على حساب قضاياهم المشتركة وهمومهم الحياتية.عندما تقوم الحكومة، على سبيل المثال، بتحميل المواطنين ذوي الدخول المتوسطة والمنخفضة تبعات الأزمة المالية وسوء الإدارة العامة فتفرض ضرائب سواء مباشرة أو غير مباشرة (ضريبة القيمة المضافة)، أو تزيد رسوم السلع والخدمات، أو تفرض رسوماً جديدة فإنها ستشملهم جميعاً بغض النظر عن أصولهم وفئاتهم وطوائفهم ومناطقهم السكنية، وهذه، على ما يبدو، هي "خطة" الحكومة وتوجهاتها في الفترة القادمة.لقد أشارت صحيفة "القبس" (9 نوفمبر 2013) إلى أنه "يبدو أن العد التنازلي نحو تنفيذ الحكومة لمخططاتها الخاصة بترشيد الدعم المقدم للمواطنين على أسعار السلع والخدمات قد بدأ بالفعل، فقد شكلت الحكومة لجنة برئاسة وزير المالية لإعادة دراسة مختلف أنواع الدعم التي تقدمها الدولة للمواطنين. وقرار إعادة دراسة الدعم الذي اتخذه مجلس الوزراء (21 أكتوبر 2013) يشمل جميع الأنشطة والخدمات والسلع التي تقدمها الحكومة للمواطنين حتى تلك المتعلقة بإعانات الرسوم الدراسية والتعليم (البعثات) وذوي الإعاقة والأندية ودعم المنتجات المكررة والغاز المسال ودعم الكهرباء والماء وتكاليف المعيشة (بطاقات التموين) والأنشطة الرياضية ومنح الزواج، بالإضافة إلى دعم المزارعين وصيادي الأسماك وبدل الإيجار وفوائد قروض عقارية (أي قروض السكن الخاص من بنك التسليف)" (انتهى الاقتباس).ومن المعروف أن مصطلح "ترشيد" المستخدم محلياً هو نسخة طبق الأصل لمصطلح "تقشف اقتصادي" المستخدم في أوروبا بناءً على نصائح صندوق النقد الدولي، والذي سيقع ضرره الأكبر على الطبقة الوسطى والفئات الشعبية والفقيرة، وهو ما أثار غضب واحتجاج قطاعات واسعة من الشعوب الأوروبية. لذلك فلا غرابة البتة أن تعلن مديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد التي زارت الكويت في بداية هذا الأسبوع أن "فاتورة الدعم الحكومي في الكويت مرتفعة جداً، وتقصد هنا دعم السلع والخدمات المقدمة من الدولة للمواطنين أي الدعم الاجتماعي لا الدعم المقدم للشركات والمؤسسات الخاصة.وبينما تجاهلت مديرة "الصندوق" تماماً الفساد المستشري في الإدارة العامة الذي يترتب عليه تكسب غير مشروع واستنزاف رهيب للمال العام وغضت النظر عن تسعير أراضي الدولة وتأجير أملاكها لمدد طويلة جداً بأسعار زهيدة للغاية، فإنها ركزت فقط على "احتواء الزيادة في الإنفاق الجاري لاسيما على الأجور"، بمعنى آخر تقليص الوظائف الحكومية وعدم زيادة الأجور والمرتبات في القطاع الحكومي لتتماشى مع غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار. بل حتى في هذا الجانب فإنها لم تتطرق إلى برنامج "دعم العمالة" حيث تدفع الحكومة 60 في المئة من راتب المواطن الذي يعمل في القطاع الخاص (بعضه توظيف وهمي من أجل الاستفادة من الدعم الحكومي والحصول على المناقصات)، وهو أيضاً إنفاق جارٍ غير موجود في أي دولة في العالم!على أي حال هذه هي خطة الحكومة التي يبدو أنها قد بدأت فعلياً في وضعها موضع التنفيذ، وتلك هي توجهاتها المستقبلية التي من المتوقع أن تؤدي إلى تدمير الطبقة الوسطى وزيادة معاناة الفئات الشعبية والفقيرة، والسؤال الآن: هل سيقبلون بخطة الحكومة الرامية إلى تحميلهم تبعات سوء الإدارة والفساد السياسي والتوجهات المنحازة للمالية العامة وينشغلون في خلافات هامشية وجانبية ذات طابع فئوي وطائفي أم أنهم سيقفون ضدها ويطالبون بالتوزيع العادل للثروة وبالعدالة الاجتماعية كما فعلت ومازالت تفعل شعوب أوروبا وأميركا اللاتينية؟ الجواب ستبينه الأسابيع القادمة.