بالرغم من اقتناعنا أن تعديل قانون الانتخابات (42/ 2006) كان مخالفاً لنص المادة (71) من الدستور التي أجازت لسمو الأمير، استثناء من القاعدة العامة لفصل السلطات وبشروط محددة، إصدار "مراسيم الضرورة"، لكن لنفترض جدلاً أن الدستور يسمح بتعديل قانون الانتخاب بمرسوم ضرورة أليس من حق الناس أن تعارض القوانين والقرارات واللوائح التنظيمية التي تصدر بحسب الأطر القانونية الصحيحة؟الجواب هو بالإيجاب، فمن حق الناس في الدول الديمقراطية الدستورية أن تعترض بالطرق السلمية على السياسات الحكومية والقرارات العامة والقوانين التي ترى أنها غير عادلة أو أنها تطبق بتعسف وانتقائية أو يترتب على تنفيذها نتائج سلبية تؤثر على حياتهم ومستقبلهم، فها هي قوى سياسية ونقابات عمالية ومنظمات مجتمع مدني في أوروبا تعترض بالطرق السلمية كافة، ومن بينها المظاهرات والإضرابات ضد ما يسمى "سياسات التقشف" رغم أنها صادرة بالطرق القانونية من قبل حكومات منتخبة ديمقراطياً، والشيء ذاته ينطبق على حركة "احتلوا وول ستريت" الأميركية التي تشمل ولايات ومدناً عدة، والتي تعترض على السياسة الاقتصادية الأميركية وتعتبرها منحازة بشكل سافر لمصلحة كبار الأثرياء وأصحاب رؤوس الأموال الضخمة.من هنا فإن الحملة السياسية والشعبية الحالية الواسعة لمقاطعة الانتخابات التي تحمل شعاري "قاطع" و"مقاطعون" التي تشكلت مباشرة بعد تعديل قانون الانتخاب وحددت سلفاً أسباب مقاطعتها للانتخابات ترشحاً وتصويتاً وأعلنت عن هدفها العام، تعتبر، أي حملة المقاطعة، مشاركة فاعلة في العملية السياسية، خصوصاً أن هدفها العام المعلن هو الاعتراض الإيجابي والسلمي على تجاهل الحكومة لإرادة الأمة وانفرادها باتخاذ قرار استراتيجي سيترتب عليه تغيير جذري في المعادلة السياسية الديمقراطية أي في القواعد العامة التي تحكم طريقة مشاركة الأمة في اتخاذ القرارات المتعلقة بإدارة شؤون الدولة والمجتمع، إذ إنه من غير الجائز ديمقراطياً أن تحدد السلطة التنفيذية (الحكومة) شكل السلطة التشريعية (مجلس الأمة) التي ستراقب أعمالها وتقوم بعملية التشريع، لأن ذلك يتناقض مع مبدأ ديمقراطي أساسي، وهو مبدأ الفصل بين السلطات.قصارى القول إنه من حق الناس في الدول الديمقراطية الدستورية الاعتراض بالطرق السلمية على مضمون أي قانون أو قرار حكومي حتى لو كان هذا القانون أو القرار مستوفياً للشكل القانوني.أضف إلى ذلك أن مقاطعة الانتخابات القادمة ترشحاً وتصويتاً تعتبر، كما ذكرنا غير ذات مقال، موقفاً سياسياً حضارياً معمولاً به على مستوى العالم الديمقراطي المتقدم القصد منه هنا هو الاعتراض المبدئي على موضوع الانفراد بسلطة القرار وتعديل القانون الذي يحدد آلية ممارسة الحكم الديمقراطي، فضلاً عن عدم إعطاء شرعية سياسية وشعبية للمجلس القادم الذي سيأتي بناءً على هذا القانون.د.بدر الديحانيمنقول عن جريدة الجريدة تاريخ 26\11\2012.