في المجالس السابقة كانت الحكومة ومعها أعضاء مجلس الصوت يدّعون باستمرار أن الاستجوابات تعطل التنمية وتؤزم الحياة السياسية، ولو بحثنا سريعاً في أرشيف الصحف لوجدنا تصريحات نارية كثيرة حول هذا الموضوع.كما أن الحملة الإعلامية الضخمة التي رافقت انتخابات مجلس الصوت كانت تركز على أنه سيكون مجلس "إنجاز وتنمية ونقاشات سياسية راقية"، وفي الوقت ذاته فإنه سيكون، كما يقول أعضاؤه "مجلس السمع والطاعة" في سابقة تاريخية وغير دستورية لم تصدر عن أي برلمان حقيقي في العالم!
ومنذ بداية عمل مجلس الصوت وتصريحات أعضائه تتوالى تباعاً بأنه "في جيب الحكومة" توجهه كيفما تشاء؛ إلى درجة شكوى أعضائه الدائمة من أن الوزراء لا يعيرونهم أدنى اهتمام، وهي تصريحات تعكس حقيقة هذا المجلس الصوري الفاقد للشرعية السياسية والشعبية.وجميعاً نتذكر أنه قبل نحو شهرين قرر مجلس الصوت تأجيل الاستجوابات للفصل التشريعي القادم في سابقة تشريعية تدل على أنه تحت طلب الحكومة، ثم توالت التصريحات بعد ذلك سواء من قبل رئيسه أو بعض الأعضاء التي تؤكد هذا الأمر.فما الذي دعا أعضاءه وبشكل مفاجئ ومن دون أي مقدمات إلى تقديم عدة استجوابات دفعة واحدة رافقتها تصريحات نارية ضد الحكومة؟ وكيف يخرج "مجلس السمع والطاعة" عن "السمع والطاعة"؟ هل يمكن لمجلس فصلته الحكومة ووضعته في جيبها أن يخرج من "جيبها" بهذه السهولة؟لا بد أن في الأمر أمراً ستوضح تفاصيله الأيام القليلة القادمة، خصوصاً أن الاستجوابات تزامنت مع دفع غرامة "الداو" والمطالبة الشعبية بمحاسبة المسؤولين، فهل هو صراع داخلي بين أقطاب متنافسة على مشروع الحكم المقصود منه "تكسير عظم" وحل الحكومة، ثم إيجاد كبش فداء للتغطية على فضيحة "الداو" حتى لو أدى الأمر إلى حل المجلس الشكلي؟! أم هي محاولة "استباقية" لخلط الأوراق، خصوصاً أن الاستجوابات المفاجئة من قبل مجلس الصوت الذي "لا يهش ولا ينش" تأتي قبيل صدور حكم المحكمة الدستورية المرتقب وبعد تصريحات رئيسه وبعض أعضائه حول حكمها المرتقب؟ أم أن الأمر لا يعدو عن كونه محاولة يائسة لتلميع صورة بعض أعضائه استعداداً لأي انتخابات عامة قادمة؟!على أي حال فإن إطالة فصول هذه المسرحية السمجة سيكون ثمنه باهظاً للغاية على المستوى الوطني، فالانقسامات السياسية والاجتماعية الحادة بلغت حداً غير مسبوق بات يهدد استقرار وطننا. لهذا فالمطلوب الآن هو وقف عرض هذه المسرحية السمجة حالاً، والتي ثبت بالدليل القاطع أن الشعب الكويتي لم ولن يتقبلها، وطرح مشروع دولة دستورية ديمقراطية تكون بدايته مصالحة وطنية بوقف الملاحقات السياسية والعفو العام عن السجناء السياسيين، ثم العودة إلى قانون الانتخاب الشرعي (42/ 2006) كي تختار الأمة من تراه جديراً بتمثيلها على أن تشكل بعد ذلك حكومة "وحدة وطنية" تكون قادرة على رأب التصدعات السياسية والاجتماعية، والمضي بالكويت نحو المستقبل بدلا من المحاولات الحالية البائسة للعودة بها عقوداً للوراء!
د. بدر الديحانيمنقول عن جريدة الجريدة تاريخ 16/05/2013