من المؤسف أن هامش حرية الرأي والتعبير الذي كان يميز الكويت عن بقية دول مجلس التعاون الخليجي قد بدأ يضيق في الآونة الأخيرة بالرغم من وضوح المواد الدستورية التي تكفل حرية الرأي من جهة مثل المادة 36 التي تنص على أن "حرية الرأي والبحث العلمي مكفولة، ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو غيرهما..."، وبالرغم من توقيع الكويت على اتفاقيات دولية تلزمها بضرورة احترام حرية الرأي والتعبير من جهة أخرى.لقد كثرت في الآونة الأخيرة الملاحقات السياسية التي طالت عدداً من النشطاء السياسيين الشباب والنواب السابقين حيث أضحى لدينا، ولأول مرة، سجناء رأي وضمير وسجناء سياسيون، بل رأينا مظاهر غير مألوفة مثل تشديد الحراسة حول "قصر العدل" بشكل يوحي وكأن الذين يحاكمون هم من عتاة عصابات المافيا أو العصابات الإرهابية وليسوا من أصحاب الرأي الذي لا يسجن صاحبه في الدول المتقدمة، بل يكتفى بالغرامات المالية.هل لذلك علاقة بتوقيع الكويت على الاتفاقية الأمنية الخليجية التي لا تزال سرّية، ولما تستكمل بعد الإجراءات الدستورية لكي تصبح قابلة للتنفيذ؟ ربما! لكن الشيء المؤكد هو أن الحريات العامة كحرية الرأي والتعبير تعتبر مبادئ عامة وقيماً إنسانية سامية والمبادئ والقيم الإنسانية لا تجزأ ولا تعرف أنصاف المواقف أو الانتقائية ولا تفصّل بحسب المقاس، فأنت إما معها على طول الخط أو ضدها.لهذا فإنه شيء رائع أن ينتصر الإنسان للحريات العامة والشخصية ويدافع عن حرية الرأي والتعبير لكن هذا الانتصار يجب أن يكون انتصاراً للمبدأ وليس للأشخاص أو الفئة أو الجماعة أو الطائفة أو العائلة وإلا فقد معناه وقيمته.بعبارات أخرى الحرية كل لا يتجزأ، فهي ليست "منيو" تختار منه ما يناسب ظروفك النفسية أو علاقات القربى أو موقفك السياسي الذي قد يتغير بتغير ظروف الزمان والمكان.لقد فضحت الأحداث الأخيرة زيف ادعاء من كان يتشدق بالدفاع عن حقوق الإنسان والديمقراطية والحريات العامة والشخصية لاسيما حرية الرأي والتعبير، وأسقطت الأقنعة عن شخصيات عامة وكتاب صحافيين ومثقفين وأدباء وبعض الجماعات السياسية وجمعيات النفع العام عندما صمتوا بشكل مريب بينما قوى الأمن تعتدي بالضرب على أناس أبرياء يعبرون عن آرائهم بشكل سلمي، بل أيدها بعضهم علنا وقام بعضهم الآخر بكل صفاقة ومن دون حياء بتبرير الإجراءات البوليسية والاعتقالات التعسفية التي استهدفت الشباب الوطني المخلص والنشطاء السياسيين والنواب السابقين الذين سجن بعضهم بعد أن لفقت لهم تهم معلبة، بعضها لمجرد الشك بالنوايا، وبعضها الآخر لمجرد اعتراضهم على انفراد الحكومة بالقرار وتعبيرهم عن آرائهم المطالبة بالإصلاح السياسي والدستوري!