اعتراضنا في الأساس كان على عملية انفراد الحكومة بتعديل قانون الانتخاب لتعارض هذا القرار مع الأسس التي تقوم عليها الديمقراطية ومخالفته لنصوص الدستور وروحه، أي إن الاعتراض لم يكن على تفاصيل القانون التي كان يجب أن تترك لمجلس الأمة، إلا أن الحكومة ومؤيديها أسهبوا كثيراً في الحديث عن "مزايا" و"فوائد" الصوت الواحد، إذ ادعوا، ضمن أشياء كثيرة، أنه سيوسع المشاركة الديمقراطية ويجذرها وسيقضي على الطائفية والقبلية والفئوية، فماذا كانت النتيجة؟قبل الحديث عن نتيجة انتخابات مجلس الصوت الواحد لابد أن نشير هنا إلى أن الحكومة ومؤيديها لم يفشلوا في معرفة التغيرات الاجتماعية والسياسية العميقة التي تجري في مجتمعنا فحسب، بل فشلوا أيضاً في إقناع الناس بالطريقة الحسابية التي ابتدعوها لحساب نسبة المشاركة في الانتخابات بغية تضليل الناس وإيهامهم أن المقاطعة لم تنجح، إذ إن تطبيق "نظريتهم" الحسابية يتناقض مع مبادئ الحساب والمنطق، فضلاً عن تجاهلها للمعطيات والظروف السياسية التي جرت فيها الانتخابات. أما نتيجة انتخابات مجلس الصوت الواحد فقد بينت بشكل عام التالي:
1- خلل كبير في الأسس التي تقوم عليها الديمقراطية، إذ إن التركيبة الحالية لمجلس الصوت الواحد توضح أن الأقلية هي التي تحكم، أي إن مجلس الصوت الواحد يمثل جزءاً من الشعب فقط، وليس غالبية الشعب، مما يفقده شرعيته السياسية والشعبية اللتين يجب أن يتمتع بهما أي برلمان.
2- ضيق قاعدة التمثيل النيابي وتراجعها بشكل كبير عمّا كان عليه في قانون الانتخاب قبل التعديل، فأكثر عدد أصوات حصل عليه مرشح في هذه الانتخابات كانت نسبته بحدود (1.4 في المئة) من العدد الإجمالي للناخبين (كانت النسبة بحدود 8 في المئة في انتخابات فبراير 2012)، أما أقل نسبة فكانت (0.12 في المئة) من العدد الكلي للناخبين، وهو الأمر الذي يتعارض بشكل كبير جداً مع مبدأ أن النائب يمثل الأمة بأسرها.
3- استناد التحالف السياسي الحالي الداعم لمبدأ الانفراد بالقرار السياسي إلى العامل الطائفي واستخدامه بقوة في إدارة الصراع السياسي، ما يتعارض مع فكرة الدولة الدستورية الديمقراطية، ويساهم في تأجيج الصراع الطائفي وخلخلة تماسك النسيج الوطني لمجتمعنا، بل يتناقض مع ما كانت الحكومة تروج له من أن الصوت الواحد سيقضي على الطائفية.
4- وضوح مقاطعة القبائل الكبيرة للانتخابات ما سيعزز من حالتي الاستقطاب والفرز الفئويين ويزيد من شعور "أبناء القبائل" بالتهميش السياسي الذي يمارس ضدهم من قبل السلطة.
5- وصول مجموعة من النواب السابقين المتهمين في الفضيحة السياسية الشهيرة المعروفة باسم "قضية الإيداعات والتحويلات المليونية"، ومجموعة أخرى تم شطبهم من قبل لجنة الانتخابات لسوء السمعة وصدر حكم من محكمة الاستئناف مؤيداً لذلك لكن تنفيذ الحكم أوقف لأسباب إجرائية.
6- وصول بعض من كانوا يجاهرون بدفاعهم الدائم والمستميت عن كل ما يصدر عن الحكومة باعتبار أن ذلك يندرج، حسب منطقهم، تحت شعار "طاعة ولي الأمر"، أي إنهم غير ملتزمين بما يقرره الدستور من صلاحيات لكل سلطة من سلطات الدولة، ولنا أن نتصور بعد ذلك استعداد هؤلاء وقدرتهم على ممارسة الصلاحيات الدستورية للنائب في مراقبة السياسات العامة للحكومة!