حققت المقاطعة الشعبية للانتخابات نجاحاً ملموساً بجميع المقاييس، حيث انخفضت المشاركة بالتصويت إلى أدنى نسبة لها في تاريخ الانتخابات الكويتية، إذ تبلغ 28 بالمئة وفق بيانات "اللجنة الشعبية لمقاطعة الانتخابات"، إلى جانب مقاطعة معظم التيارات السياسية والكتل النيابية الترشيح فيها، إضافة إلى المشاركة الجماهيرية الحاشدة في مسيرات الاحتجاج على انفراد السلطة بتغيير آلية التصويت في الانتخابات، ما يكشف ليس فقط الرفض الشعبي الواسع لمثل هذا الانفراد السلطوي بتغيير النظام الانتخابي، وإنما يكشف بالأساس مدى عزلة السلطة وفشلها الذريع في إضفاء غطاء من الشرعية الشعبية على مخططها للانقلاب التدريجي على الدستور.
ولئن كان افتقاد مجلس مرسوم الصوت الواحد للشرعية السياسية الشعبية يقتضي، وفق المنطق السياسي السليم، الإسراع من دون تأخير في طيّ صفحته غير مأسوف عليه والعودة إلى إرادة الأمة عبر إجراء انتخابات نيابية وفقاً لآلية التصويت التي نظمها القانون 42 لسنة 2006 من دون تغيير، إلا أنّ إصرار السلطة على مواصلة المضي في محاولتها للانقلاب التدريجي على الدستور سيفوّت الفرصة على أي إمكانية لإجراء تسوية تخفف من حدّة حالة الاحتقان السياسي في البلاد، وهذا ما سيؤدي بالضرورة إلى انتقال الحراك الشعبي من طابعه الحالي كحراك احتجاجي رافض لمرسوم قانون تغيير آلية التصويت، ليتحوّل إلى حركة شعبية متنامية تنادي بالتغيير الديمقراطي المستحق، إذ لم يعد هناك أي معنى لاستمرار الدوران المرهق من دون طائل في الحلقة المفرغة ذاتها، التي تريدنا السلطة أن ندور فيها منذ 1962 وذلك جراء احتكارها القرار السياسي وانفرادها به؛ وعبثها المتكرر بالدستور وعدم التزامها تطبيقه؛ وتماديها في تحدي الإرادة الشعبية؛ ومحاولتها تكريس نهج المشيخة، الذي عفا عليه الزمن، في إدارة الدولة وذلك بالتعارض مع تطلعات الشعب الكويتي في التطور الديمقراطي والانتقال إلى النظام البرلماني الكامل.
إنّ المهام الديمقراطية التي يفترض أن تتوّحد حولها الجهود الشعبية بدءاً من الآن وخلال المرحلة المقبلة تتمثّل في العناوين الأربعة التالية:
1- التصدي لنهج الإنفراد بالسلطة ومنع الانقلاب التدريجي على المكتسبات الدستورية، ورفض أسلوب التعامل الأمني والملاحقات السياسية لعناصر المعارضة.
2- حلّ المجلس المُقاطع شعبياً, والعودة في أسرع وقت الى ارادة الأمة بإجراء انتخابات نيابية وفقاً لآلية التصويت التي نظمها القانون رقم 42 لسنة 2006.
3- إطلاق الحريات العامة، التي كفلها الدستور وبالأساس منها حرية الرأي وحرية التعبير وحرية التجمع، ورفض أي محاولة لتكبيل هذه الحريات بالمزيد من القيود أو التضييق عليها.
4- استكمال التطور الديمقراطي بالانتقال نحو النظام البرلماني الكامل، الذي يستند إلى إشهار الأحزاب السياسية؛ وسنّ قانون انتخابي يقوم على التمثيل النسبي ونظام القوائم الانتخابية، وإنهاء احتكار مناصب رئاسة مجلس الوزراء ووزارات السيادة بتفعيل مبدأ التداول الديمقراطي للسلطة التنفيذية، وتشكيل الحكومة واستقالتها بناء على حصولها على ثقة مجلس الأمة أو فقدانها.
ومن هنا فإنّ "التيار التقدمي الكويتي" يدعو مختلف التيارات السياسية والجماعات الناشطة، وبالأساس الجماعات الوطنية والديمقراطية والشبابية، إلى أن تكون على مستوى المسؤولية في مواجهة الوضع المستجد بحيث توحد صفوفها؛ وتتجاوز خلافاتها الجانبية؛ وتنسق جهودها وتنظم حركتها وتتفق على أجندة سياسية لتحقيق الديمقراطية وليس فقط للاحتجاج على هذا القرار أو ذاك من قرارات السلطة، وذلك بالاعتماد على أسلوب النضال الجماهيري المجرّب، فالجماهير الشعبية الواعية سياسياً والمنظمة هي القوة الحقيقية التي تستطيع أن تنجز مهام التغيير الديمقراطي المنشود.