مازال الجدل الأزلي بين الفلاسفة والمفكرين قائماً في تحديد مفهوم واضح وشامل لماهية الدولة، ولكن هناك شبه إجماع مبدئي على أن الدولة هي التي تمتلك العنف والجبر المنظم. ويأتي التنظيم ضمن إطار يميز الدولة عن بقية العصابات المسلحة التي لا تنتمي لفصائل الحكومة.
إن تمركز القوة في سلطة الحكومة يجعلها مسؤولة عن تحقيق العدالة والسلم الاجتماعيين.. أما الأخيرة، فهي مرتبطة بمدى شيوع الأولى، فالعدالة، وإن اختلفت وفق البيئة ونمط الحياة وطريقة توزيع الثروة، إلا أنها في النهاية يمكن قياسها بمدى انتشار الشعور بالمساواة في التعامل والتطبيقات بين أفراد المجتمع، لكن عند غياب العدالة سنشاهد اختلالاً في مفهوم السلم الأهلي أو الاجتماعي، وهو دائما ما يبرز عند انحياز الدولة إلى دائرة ضيقة تمثل لها ضمانا لمصالحها ونفوذها السياسي والاقتصادي بالدرجة الأولى، وهو ما يجعل الشعوب تثور من أجل المزيد من العدالة والمساواة، لكن القضية الخطيرة هي أن تتخذ الدولة من القبضة الأمنية حلاً تمارسه عند حل النزاعات، وخصوصا السياسية منها، فالمبالغة والتكرار في استخدام العنف يؤدي إلى تحوُّل أغراض العنف من صيانة وحفظ السلم الأهلي إلى وسيلة حماية وتخويف تستخدمها الحكومات ضد من يمس
مصالحها الخاصة، وبالتالي اعتداء من يملك السلاح، وهو الطرف القوي ضد الطرف الأعزل، وهو الضعيف، ما يبرر التمرد والخروج السلمي، أو ربما استخدام العنف من قِبل أفراد المجتمع ضد النظام العام.
على ضوء ما سبق، إن ما تعرَّض له الشقيقان ضاري وسلام الرجيب من اعتداء بالضرب ضمن أحداث مسيرة كرامة وطن الخامسة في مشهد لا نتمنى تكراره يبين لنا مدى تخبُّط الأجهزة الأمنية ورسوبها في امتحان التعامل مع التظاهرات والمطالبات السلمية، ونسجل النجاح للشاب سلام الرجيب (المحتجز حتى يوم كتابة هذا المقال) الذي ألهم الحراك الشبابي بكلماته، حين خاطب من يضربه بالقول «لا تضرب، أنا كويتي، ولا أنكسر».
وقفة:
ذهب برفقة أحد أصدقائه لمملكة البحرين، واعتقل اثر مشادة كلامية بينه وبين أحد رجال الأمن، وهو حاليا مسجون بسجن الحوض الجاف سيئ السمعة.
الشاب الكويتي حسن علي كرم فاقت فترة احتجازه الـ 15 يوما، في ظل صمت حكومي ونيابي لم يعد غريبا علينا. نتمنى من السفير الكويتي بالبحرين التحرُّك، وتوضيح الامور، وخصوصا أن أهل الشاب يشتكون من عدم تعاون السفارة الكويتية معهم.