وليد الرجيب: ثورة 14 تموز العراقية.
تمر غداً الذكرى الخامسة والخمسون لثورة 14 تموز/ يوليو 1958م العراقية، وقد حيّت القوى الوطنية والتقدمية العراقية هذه الذكرى في بيان لها حيث وصفتها: «بالعزيزة على قلوب الملايين من أبناء العراق، وهي ذكرى العيد الوطني للشعب العراقي... ثورة الشعب والجيش الوطنية التحررية الكبرى».ومضى البيان حول هذه الذكرى بالقول: «لقد حققت آمال وتطلعات الملايين من الفقراء والكادحين من العمال والفلاحين وذوي الدخل المحدود، وتماهت مع أحلام المثقفين والمبدعين وعموم شرائح وفئات الشعب الاجتماعية الوطنية التي كانت تطمح إلى حياة جديدة وعراق جديد في ظل حكم نظام وطني ديموقراطي متحرر من الهيمنة الأجنبية والارتهان لمصالح قلة قليلة من المتنفذين على حساب أوسع الفئات والطبقات الاجتماعية».وقد بات من المعروف أنه اجتاحت الوطن العربي في النصف الثاني من القرن العشرين حركة تحرر وطني حققت آمال الشعوب العربية في التخلص من الملكيات والإقطاع والاستعمار الأجنبي، وترسّخ واقعاً جديداً لدى الشعوب العربية التي كانت تخضع للإذلال والتبعية للمستعمر الأجنبي وأعوانه وتابعيه من المتنفذين الفاسدين الذين استولوا على ثروات هذه الشعوب، ومارسوا القمع والقتل والسجن لكل معارضي الأنظمة في ذلك الوقت.ووصفت الأدبيات السياسية والتاريخية جميع هذه التغيرات بـ «بالانقلابات العسكرية» ما عدا ثورة 14 تموز 1958م في العراق التي وصفت بأنها «ثورة»، وذلك لسبب موضوعي هو أن الجيوش هي التي بادرت بالانقلاب على الحكم ثم أيدتها الشعوب العربية التي كانت ترزح تحت نير الملكية والاستعمار، بينما ما حدث في العراق هو قراءة الجيش لمزاج الجماهير التي خرجت بالملايين من أبناء الشعب العراقي في انتفاضة ضد الحكم والتبعية للاستعمار والقوى الوطنية والتقدمية التي كانت تعلم مسبقاً بهذه الحركة، وقد تركت حركة التحرر الوطني العربية تأثيراً جدياً وحاسماً على مجمل الدول العربية واتجاهاتها في الحكم السياسي وخاصة أن مصر تملك ثقلاً إقليمياً واستراتيجياً، رغم أن ما حدث في 23 يوليو 1952 و1953م كان انقلاباً عسكرياً قاده الضباط الأحرار بقيادة محمد نجيب وجمال عبدالناصر، حيث شجعت الشعب العراقي للانتفاض في ثورته التي تلت الانقلاب المصري.وهو عكس ما حدث في ثورة 25 يناير 2011م واستكمالها بثورة 30 يونيو 2013م، حيث هب الشعب المصري بكل أطيافه وفئاته الاجتماعية ضد حكم مرسي الذي تكررت أخطاؤه حتى أوصلت مصر خلال عام واحد إلى حافة الهاوية، «حيث انخفض النمو من 5 إلى 2 في المئة ووصل العجز بالموازنة إلى 11 مليار دولار، كما وصل الدين العام إلى 235 مليار دولار، ولم توجد أي حلول لـ 25 في المئة من الشعب المصري الذين يعيشون تحت خط الفقر، وارتفعت نسبة البطالة من 9 إلى 14 في المئة، وبقي قطاع السياحة دون تفعيل وهو قطاع مهم لدخل الدولة، كما لم تولِ أهمية لتعميم المدارس والمستشفيات في المناطق النائية، وكذا الأمر بالنسبة للزراعة والصناعة» حسب مقال كتبه د. صالح بكر الطيار من مركز الدراسات العربي الأوروبي في 5 يوليو الجاري.فما يحدث في مصر الآن ليس صراعاً بين الكفر والإيمان أو بين ليبراليين وإسلاميين أو حتى بين عسكر ومدنيين، ولكنه بوضوح ثورة ضد سياسة نظام لم تؤد إلا لمزيد من الفقر والبطالة، وارتهان أكبر للهيمنة الأميركية - الإسرائيلية بالضد من إرادة الشعب المصري، كما أنه صراع نظام حزب واحد مع جميع مؤسسات الدولة القضائية والإعلامية والثقافية والعسكرية، والتعاون مع إسرائيل لضمان أمنها في اتفاقية الهدنة مع غزة، والسماح بتركيب أدوات تجسس إلكترونية متقدمة على الحدود مع إسرائيل، والبدء بمشروع بيع ورهن أصول مصر الاقتصادية في مشروع «الصكوك» ومشروع «النهضة» الزائف، والتوجه لتدويل قناة السويس تحت مسمى مشروع تنمية إقليم قناة السويس التي أممها الشعب المصري، وهو ما يعتبر عودة لمشاريع استعمارية قديمة، وتم الانقضاض على مكتسبات الشعب المصري التي حققها في حركته التحررية في خمسينات القرن الماضي.وليد الرجيبosbohatw@gmail.com
منقول عن جريدة الراي تاريخ 13\07\2013 العدد:12430