يصدف أنني موجود بمصر هذه الأيام، حيث اعتبرتها فرصة لمتابعة الأحداث والمتغيرات على أرض الواقع، والانطباعات الأولى التي خرجت بها أن الأمور هادئة على عكس ما يروّج في بعض وسائل الاعلام، وقد تكون السلبية الوحيدة التي صادفتها في الأيام الفائتة هي مشكلة الازدحام الشديد. كانت فرصة لي للحديث مع رجل الشارع البسيط وسائق التاكسي والمثقف والفنان، ولمست بنفسي تغيّراً ملحوظاً بالشخصية المصرية والثقافة المصرية بعد 30 يونيو، لقد كان الجميع في حال غضب شديدة ضد الإخوان المسلمين وكل جماعات الاسلام السياسي حيث تلاشت مظاهر التشدد في الشارع والمسجد ووسائل الاعلام. ولاحظت ارتياحاً وفخراً على وجوه الشعب المصري بجميع أطيافه، كان لدى الجميع شعور بالاستقرار رغم حظر التجوال الذي يبدأ في منتصف الليل، ومع ذلك تأخرت في يوم عن هذا الموعد ولم ألحظ أي مظهر أمني أو نقاط تفتيش، ومن خلال حواراتي الفضولية مع الفئات المختلفة لاحظت عودة الروح الوطنية التحررية والغضب من أميركا واسرائيل لأنهما دعما الاسلاميين والارهابيين وكانا سبباً لتدهور مصر، واندهشت من عمق تحليل بائع الخضار وارتفاع الوعيين السياسي والوطني لديه. وفي يوم الجمعة 27 سبتمبر الجاري حاولت زيارة بعض أماكن تجمعات الاسلاميين، ولم أشاهد سوى بضعة أشخاص غير ملتحين يرفعون لافتات صغيرة غير مقروءة عبر الشارع، وقف هؤلاء الأشخاص بعد الصلاة ولم يلتفت اليهم أحد ولم يكن هناك أي وجود أمني، وقد يكون السبب أن الأماكن والميادين التي مررت عليها لم تكن رئيسية، ومع ذلك تابعت ما حدث في المحافظات التي كانت الصدامات وأحداث العنف فيها محدودة. لكن أهم ملاحظاتي انصبت على المتغيرات الثقافية وهي مجال اهتمامي الحقيقي، فقد عادت مظاهر النشر التنويري واختفت كتب الفتاوى الغريبة، وتوارت ثقافة الأغنية التافهة والهابطة، وبدأت تسود الأغنية الوطنية والجادة ذات المضمون الاجتماعي. وكانت من أجمل الفرص لقائي مع مؤسسي «فرقة اسكندرلا» ذائعة الصيت، التي بعثت تراث وروح سيد درويش وبيرم التونسي في الشارع المصري، فقد كنت محظوظاً بلقائي بكل من الفنان أشرف نجاتي والفنان حازم شاهين، والأخير هو حفيد الشاعر التقدمي فؤاد حداد وزوجته حفيدة الشاعر التقدمي صلاح جاهين، وكانا مفعمين ومعجونين بالروح الوطنية والثورية التقدمية. اعتذرا في البداية عن تأخرهما وقالا ان السبب أنهما كانا في تجمع تضامني مع الشعب السوداني وانتفاضته، وكان الحديث معهما مشوقاً ومفيداً، وكانا واعيين سياسياً وفنياً فشرحا لي سبب تدهور الأغنية المصرية في عهدي السادات ومبارك فيما أسموه ثقافة «السح الدح امبو» ومسرح التفاهة وسينما الفن الهابط وشعر المدح والغزل البذيء، وأن هذا الفن الذي كان سائداً لا يعني عدم وجود ثقافة بديلة جادة واجتماعية متوارية، وان عودة الروح الى الأغنية المصرية الأصيلة أمر طبيعي بعد الثورة والشروع في بناء الدولة الديموقراطية المستقلة التي تميّزت بها مصر عبر التاريخ، واستمعت منهما الى أغان وأشعار جميلة، وأتمنى على المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب استضافة الفرقة في الكويت لترفع من الذائقة الفنية، حيث كانا عاتبين على المؤسسات الثقافية في الكويت لتجاهل الفرقة على عكس الكثير من الدول العربية والأجنبية، رغم أنهما يتابعان مطبوعات المجلس، ويعتبر حازم شاهين من أفضل أربعة عازفين للعود بالعالم. وغداً لديّ موعد في المجلس الأعلى للثقافة والمركز القومي للترجمة، للقاء بعض مسؤولي الثقافة وبعض المبدعين والمثقفين، لتكتمل صورة التغير في ذهني للحدوتة المصرية. وليد الرجيب osbohatw@gmail.com