نعرف جميعاً أنه عندما وضع أمير الكويت الراحل عبدالله السالم الصباح دستور 1962م بمشاركة مجموعة من رجالات الكويت المخلصين، كان هناك قطاع من أبناء الأسرة غير راضين عن فقدان نفوذهم الذي حُدد باطار دستور الحد الأدنى، واعتبروه خطأ تاريخياً ما كان له أن يتم، ولذا بدأت المحاولات منذ وفاة الأمير الراحل عبدالله السالم بالانقضاض على الدستور والانقلاب عليه بطرق شتى، مثل التزوير وتعطيل العمل بالدستور، ثم العبث به ومحاولة تفريغه من محتواه، ولم تزل هذه المحاولات مستمرة، ولا يزال الشعب يناضل من أجل الحفاظ على مكتسباته الدستورية والديموقراطية، بل والمطالبة بتطوير الديموقراطية باتجاه النظام البرلماني الكامل.لم تختلف عقلية المشيخة منذ ذلك الحين وتناقضها مع متطلبات بناء الدولة الحديثة، ولكن استجد شيء آخر عزز هذا الاتجاه وهو لم يشمل الهجوم على الديموقراطية السياسية فقط بل والديموقراطية الاجتماعية أيضاً، هذا الاتجاه فرضه نظام اقتصادي دولي جديد وهو نظام «العولمة الرأسمالية» التي تتطلب آلية الانفتاح على السوق، وتحريض الحكومات على رفع دعمها الاجتماعي عن الشعوب، بل وتحميل الطبقة العاملة والفئات الشعبية والمهمشة تبعات هذه السياسة، وبيع القطاع العام برمته الى القطاع الخاص من خلال سياسات الخصخصة، هذا النظام العالمي الجديد لا يتوافق مع الديموقراطية والحرية والمطالبة بالاصلاح السياسي والاجتماعي والعدالة الاجتماعية.فتاتشر وريغان (المحافظون الجدد) دشنا سياسة النيوليبرالية الجديدة بالقمع الشديد للطبقة العاملة والفئات الشعبية المطالبة بتحسين حياتها المعيشية، حيث قمعت تاتشر اضرابات العمال وسجنت قادتهم، ومات عشرة منهم جراء اضرابهم عن الطعام فيما سمي بـ«اضراب الجوع» عام 1981م، كما دخل ريغان في نزاع مع الحركة العمالية وطرد 13 ألفا من مراقبي الحركة الجوية مردداً قوله الشهير: «أنا لا أتفاوض».وعندما دُشنت في فندق «فيرمونت» الشهير بكاليفورنيا معالم الطريق الى «حضارة جديدة» عام 1995م، حيث كلف ميخائيل غورباتشوف بدعوة خمسمئة من قادة العالم في مجالات السياسة والمال والاقتصاد، واعتبر غورباتشوف أن المدعوين هم «هيئة خبراء جديدة»، لم يكن الاجتماع للحوار بل لاعلان قرار قد اُتخذ، هيئة الخبراء الجديدة أقرت بلا حياء أو انسانية أن خمس قوة العمل سيكفي لانتاج جميع السلع أي 20 في المئة من السكان العاملين في العالم، ولكن ماذا عن الـ 80 في المئة المتبقين في العالم؟ يجيب عن ذلك رئيس مؤسسة «سان» بقوله: في المستقبل «إما أن تأكل وإما أن تُؤكل»، فلن يسمح لـ 80 في المئة من سكان العالم المطالبة بالحرية والديموقراطية وتحسين أحوالهم المعيشية، وببساطة سيمنعون من تعطيل هذا النظام الجديد بكل الوسائل، وتبنى مؤسسوا هذا النظام الجديد مقولات مثل «التضحية هي وسيلة التكيف مع العالم الجديد» و«أن شيئاً من اللامساواة الاجتماعية قد أضحى أمراً لا مناص منه».فمواجهة الاحتجاجات والتحركات الشعبية في العالم تمت بالعنف لحماية النظام الاقتصادي الجديد، في أوروبا وأميركا والدول العربية ومنها دول الخليج وأخيراً في تركيا والبرازيل، فبعض هذه الشعوب يدرك أن هجوم حكومته على الديموقراطية السياسية والاجتماعية قد رسم في فندق «فيرمونت»، وبعضها يرجعه فقط الى تسلط الأنظمة وكراهيتها للديموقراطية، فالمهم لدى النظام الاقتصادي العالمي الجديد، هو أن ينهب العالم لصالح قلة تمركز في يدها رأس المال، حتى وان اضطرت الى استخدام العنف والسجن مع «حفنة من المشاغبين والغوغائيين والمتطرفين والمرتهنين لأجندات خارجية».وليد الرجيبosbohatw@gmail.com