بعدما اعترفت الادارة الأميركية باستخدامها برنامج سري للغاية لوكالة الاستخبارات اسمه الرمزي «بريزم» أو prism لجمع بيانات الناس على نطاق واسع عبر الانترنت، أثار هذا الخبر قلقاً عالمياً بالغاً على انتهاك خصوصيات وحريات جميع سكان الأرض.وكشفت الوكالات بأن وكالة الأمن القومي الأميركي ومكتب التحقيقات الفيديرالي اخترقا وعلى مدى السنوات السبع الماضية خوادم تسع شركات من عمالقة الانترنت في اطار برنامجها السري، ما دعا شركة «غوغل» الأكثر شهرة الى القول: «بأن سرية الاجراءات القانونية الحالية تضر بالحريات».كما أبدى الاتحاد الأوروبي قلقه بالنسبة لخصوصيات بيانات مواطني الاتحاد، بعدما كشفت صحيفتا «الواشنطن بوست» الأميركية و«الغارديان» البريطانية هذا البرنامج، علماً بأن الرئيس الأميركي أوباما دافع عن قانونية برنامج المراقبة، مؤكداً أنه محصور بالاتصالات عبر الانترنت التي يجريها الأجانب وليس الأميركيين، ولكن هذا التبرير لم يقنع أحداً من الأميركيين أو الأوروبيين، خاصة بعد اتضاح أن وكالة الأمن القومي متورطة مباشرة في جمع تريليونات من الاتصالات الهاتفية واتصالات البريد الالكتروني، شمل تفتيش السجلات الهاتفية لصحافيي وكالة «الأسوشييتدبرس» ومراسلي «فوكس نيوز»، ما يعني أن لا أحد من سكان الكرة الأرضية بمنأى عن اختراق خصوصياته والتجسس على كل أنواع استخداماته الهاتفية ولوسائل الانترنت، وندد الناشط الأميركي «جميل جافر» في مجالات حقوق الانسان قائلاً: ان هذا أمر يتخطى ما تحدث عنه «جورج أورويل» في روايته الشهيرة «1984م»، والحجة الأميركية التي أصبحت ممجوجة وكاريكاتيرية «أن هذا البرنامج موجه للارهاب ولحماية الشعب الأميركي» لم تعد تقنع أحداً بسبب انفضاح هذه المزاعم التي أدت الى احتلال دول وقتل شعوبها ونهب ثرواتها.وكشف التقني السابق لدى جهازي الاستخبارات الـ«سي أي أيه» و«ان اس آي» «ادوارد سنودين» للصحافيين عن تفاصيل مثيرة عن الفضيحة المتمثلة في مشروع «بريزم» للتجسس، الذي يراقب كل من يستخدم الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي في أميركا وحول العالم، ويؤكد سنودين: «أنه يكفي أن تقعوا تحت دائرة الشبهات فيقوم أي محلل يتمتع بالصلاحيات الكافية بالغوص في بياناتكم وكل محادثاتكم مع الأصدقاء والأهل، والبحث فيها عن أي مواد يمكن استخدامها ضدكم لاحقاً» مستطرداً: «ان المشروع خطر على الحريات الأساسية للناس في جميع أنحاء العالم، وأن الولايات المتحدة تتجسس على جميع الأميركيين والبشرية».ونحن على يقين بأن الأنظمة الاستبدادية العربية التي تكره الحرية ستسعد لمثل هذا المشروع، وستتلقفه بلهفة لأنه سيسهل عليها مراقبة معارضيها، وهي على استعداد لأن تدفع مقابله المليارات من أموال شعوبها لأنه سيتيح لها مراقبة شعوبها ومواطنيها، وتجميع معلومات تتيح لها استخدامها ضد أي كان في أي وقت تشاء.وهمسة في أذن الذين يرون في الولايات المتحدة «قِبلة للحرية» ومنارة للتنوير والديموقراطية، ويشكرون النظام الرأسمالي ليلاً ونهاراً لأنه اكتشف واخترع وأتاح لهم الأجهزة التكنولوجية الدقيقة مثل الكمبيوتر والهواتف الذكية، أن الرأسمالية دائماً وأبداً تهدف من وراء أي تطور تكنولوجي الى أمرين جوهريين، هما الربح ومضاعفته بأي وسيلة، واستخدام هذه الأجهزة من أجل انتهاك حرياتكم وخصوصياتكم وملاحقتكم، فكل جهاز متطور هو جهاز متابعة وملاحقة لا ضد الارهاب فقط كما تدعي ولكن من أجل وأد كل انتفاضة أو ثورة قد تقوض نظامها الذي تسعى لاطالة عمره وجعله «نهاية التاريخ»، فهي لم تكن مطلقاً في يوم من الأيام ولن تكون أبداً أخلاقية.وليد الرجيبosbohatw@gmail.com