يُذكرنا إقرار الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، بأن أجهزة الاستخبارات في بلاده أخطأت في تقييم وتقدير نشاط "داعش" في سوريا والعراق، بالقول التالي للفيلسوف الألماني هيغل:
"عادة ما ينتج عن أفعال الناس شيء آخر غير ما يتوقعون أو ينجزون؛ شيء آخر غير ما يعرفون ويريدون مباشرة، إنهم يحققون مصالحهم، لكن يحدث بجانب ذلك شيء آخر مضمر في الداخل شيء لا ينتبه إليه وعيهم، ولم يكن في حسبانهم".
قال أوباما "أخطات وكالات المخابرات الأمريكية ولم تقدّر حجم نشاط "داعش" في سوريا التي تحوّلت إلى مركز الجهاديين من كل أنحاء العالم بالشكل الصحيح"، كما اعترف بمبالغة أمريكا في اعتمادها وثقتها بقدرة الجيش العراقي على مواجهة الميليشيات المسلحة من دون الحاجة إلى مساندة خارجية.
وأضاف: "نزل الجهاديون للعمل السري تحت الأرض، ومع سيادة الفوضى الناجمة عن الحرب الأهلية السورية وتحول مناطق واسعة الى مناطق خارجة عن السيطرة ولا يحكمها أي أحد أو أية جهة نجحوا بإعادة تأسيس أنفسهم واستغلال الفوضى، ومن ثم أصبحت تلك الأراضي قبلة الجهاديين حول العالم".
عبارة هيغل الواردة أعلاه تقدم مفاتيح مهمة لمعرفة وتحليل الكثير من الظواهر، سواء تلك التي تحصل في النطاق الفردي المحدود أو ما يحيط به من دائرة أو دوائر صغيرة، أو في الفضاء العام، بما في ذلك فضاء العلاقات السياسية على مستوى الدول منفردة أو على المستوى الكوني العام. إنها تعيننا على رصد الأشياء غير المتوقعة التي نجمت عن أفعال واعية أو مدروسة قام بها أفراد أو زعماء دول أو قادة أحزاب أو جيوش، كانوا يرتأون شيئاً ويريدونه، ولربما تحقق لهم ما يريدون، ولكن مع ذلك نشأت أمور أخرى لم يكونوا يتوقعونها، حين ظهر شيء مضمر في الداخل كما يقول هيغل.
ثمة تاريخ آخر ينشأ لم يكن في حساب أحد، ممن أرادوا أن يخلقوا هذا التاريخ، أو وقائعه. وليس التاريخ خارج وعي البشر وإرادتهم، فهم من يصنعونه، ولكن البشر كثر، ومصالحهم مختلفة، متعارضة وحتى متناقضة. ما ينجزه بعضهم، سواء أكانوا دولاً أو جماعات أو حتى أفراداً، لا يمكنه أن يلغي ما يفعله البعض الآخر كفعل مضاد، قد يأتي سريعاً وفورياً، وقد يأتي بعد حين: بعد سنة أو عشر أو حتى بعد قرن.
التواريخ ليست متعاقبة فحسب، وإنما متوازية أيضاً.
_________________________
*الامين العام السابق للمنبر الديمقراطي التقدمي - البحرين