تقرير سياسي من مصر حول أولويات المرحلة الراهنة ومهام استمرار الثورة وحمايتها
تمر الثورة المصرية فى هذه الأوقات بمرحلة دقيقة ومعقدة تتطلب من كل القوي الثورية التحلي باليقظة والتعامل بموضوعية مع الواقع الراهن بكل تناقضاته حتي تتمكن من الحفاظ علي روح المبادرة الثورية واستمرار زخم قوة الفعل الثوري الجماهيري لإنجاز مهام الثورة ومواجهة عناصر التآمر علي الثورة فى الداخل والخارج .ولقد كشفت الأحداث المتسارعة عن عدد من الحقائق التي ينبغي آخذها في الاعتبار عند تحليل الموقف الراهن ولعل أهمها :1ـ إن جمعة الثورة أولا في 8 يوليو التي خرجت فيها الجماهير بمئات الآلاف وما أعقبها من اعتصامات فى ميدان التحرير والعديد من المحافظات كانت إحدي العلامات الفارقة فى مسار الثورة أدت إلي فرز حقيقي في مواقف القوي السياسية ومثلت تعبيرا واضحا عن سخط واستياء الجماهير من ممارسات المجلس العسكري والحكومة طوال الأشهر الخمسة الماضية والتي اتسمت بالتباطؤ والتواطؤ علي عدم اتخاذ الاجراءات السريعة والناجزة لتحقيق أهداف الثورة ومهامها العاجلة والمتمثلة في التطهير الشامل لكافة مؤسسات الدولة من رموز النظام السابق ، والقصاص العادل والسريع من قتلة الثوار وعلي رأسهم مبارك والعادلي ، وتحقيق إجراءات ملموسة لتحقيق العدالة الاجتماعية . واكتشفت الجماهير الشعبية إن النظام لازال باقيا رغم الإطاحة برأسه وأن سياسات وممارسات السلطة التي من المفترض أن تعبر عن مصالح الثوار هي التي تعمل علي تبريد الثورة واحتوائها بشكل يهدد بضياعها وإجهاضها ، ولقد نجح الاعتصام الثوري في إجبار المجلس العسكري والحكومة علي تحقيق مكاسب حقيقية للثوار وأهالي شهداء ومصابي الثورة تمثلت فى القرارات التي أعلنتها لجنة الأزمات الحكومية برئاسة عصام شرف : اتخاذ اجراءات صارمة ضد الضباط المتهمين بإبتزاز أهالي الشهداء و تأكيد تفريغ دوائر خاصة لقضايا قتل الثوار وتسريع موعد انعقاد المحاكمات وتتالي جلساتها لتحقيق القصاص العادل والناجز وتأكيد وتطبيق مبدا علانية الجلسات وضم الرئيس المخلوع إلي دائرة واحدة مع السفاح العادلي وكبار زبانية الداخلية من قتلة الثوار ، وتفعيل قانون الغدر وتطهير جميع أجهزة الدولة من كل أركان النظام السابق فى أسرع وقت ـ وهو الأمر الذي يطالب الثوار بأن يمتد إلي التشكيل الحكومي الجديد وحركة المحافظين الوشيكة بحيث لا يكون هناك وزير أو محافظ واحد ينتمي للحزب الوطني المنحل .ونحن نؤكد علي أن هذه القرارات هي بادرة ايجابية ولكنها لا تلبي كل مطالب الثوار العاجلة لذلك لابد من استمرار نضال الجماهير السلمي وعودة الجماهير فى مظاهرات مليونية لمتابعة تنفيذ ما أعلن من قرارات ولتحقيق المطالب التي لم يتم الاستجابة لها وعلي رأسها إلغاء قانون تجريم التظاهر والاعتصام و تحقيق المطالب العاجلة الخاصة بالعدالة الاجتماعية وتحديد حد أدني للأجور 1200 جنيه ومراقبة الأسعار والأسواق وإقرار إعانة بطالة للمتعطلين وعدم تحميل الكادحين والفقراء إجراءات التقشف في الموازنة الجديدة وإعادة تأميم الشركات التي تعرضت للنهب والتصفية في ظل برنامج الخصخصة المشبوه ووقف محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية .2 ـ ان ما حدث من اعمال عنف وبلطجة أدت الى وقوع مئات الجرحي فى مواجهة المظاهرة السلمية التى خرجت من ميدان التحرير مساء يوم السبت 23 يوليو قد تم التخطيط لها من قبل فلول النظام السابق وقوى الثورة المضادة ، كما ان ما سبقها من اصدار بيانات المجلس العسكري 69 ،70 وما صدر بعدها من تصريحات مستفزة للواء حسن الروينى قائد المنطقة العسكرية المركزية كلها تنذر بتصعيد خطير فى موقف المجلس العسكري من الثورة والثوار ، واستخدامه لنفس أساليب النظام السابق فى تخوين الحركات السياسية المعارضة (6 ابريل وكفاية ) وتوجيه الاتهامات الخطيرة لها دون أى أسانيد أو أدلة ،وأصداره بيانات مجافية للحقيقة وإطلاق حملات إعلامية محمومة لتشويه صورة المعتصمين والمتظاهرين وتآليب الرأى العام عليهم .والحزب الشيوعي إذ يستنكر هذه الأساليب التى تعمق الفجوة بين الجيش والشعب فأنه يطالب بضرورة التوقف عن السير فى ذلك النهج الخطير الذى يهدد استمرار الثورة ويبرر أعمال العنف والبلطجة ضد الثوار ، كما يطالب باجراء تحقيق عاجل فى هذه الأحداث وإعلان نتائجه على الرأى العام .وفى نفس الوقت فان انفراد بعض الأطراف باتخاذ قرارات بالخروج بمسيرات فى ظل هذا المناخ المتوتر دون تقدير صحيح للموقف يؤدى الى نتائج سلبية تتحمل نتائجها كل قوى الثورة ، كما يمكن أن تؤدى وهذا هو الأهم الى إضعاف التأيد الجماهيرى الذى يمثل الحماية الحقيقة لها و يتيح الفرصة للقوى المتربصة بالثورة لخلط الامور وكسب مساحات جديدة للقوى المضادة للثورة .ولذلك فاننا نري أن الوضع يتطلب ضرورة السعى لتشكيل قيادة ميدانية موحدة فى الاعتصامات والتظاهرات تأخذ القرارات بشكل جماعى وتنسق بين قوى الثورة .3 ـ إن سلاح الاعتصام الثوري في ميدان التحرير وبقية المحافظات يعتبر من أهم أسلحة الثورة المصرية حيث كان العامل الحاسم هو و المظاهرات المليونية فى اسقاط رأس النظام السابق ، ولذلك فعلي القوي السياسية والتجمعات الشبابية أن تحرص عند استخدام هذا السلاح علي الحفاظ علي استمرار التأييد الشعبي والجماهيري له والانتباه إلي ضرورة حمايته وإلابقاء علي الصورة الايجابية له في أذهان الجماهير باعتباره رمزا للثورة المصرية السلمية التي أبهرت العالم كله .كما أنه يجب إدراك أن الاعتصام ليس هدفا في حد ذاته وليس هو الوسيلة الوحيدة لضمان تحقيق أهداف ومهام الثورة ، ويخطيء من يتصور إمكانية تحقيق كل مطالب الثورة بضربة واحدة إذ أن العملية الثورية الهادفة لهدم النظام القديم وبناء النظام الجديد لابد أن تتخللها العديد من المعارك والمهم هو الحرص علي تحقيق انتصارات متواصلة حتي ولو كانت صغيرة ، والسعي إلي عدم فقدان زمام المبادرة فى مواجهة قوي الثورة المضادة الكامنة فى كل مؤسسات الدولة وعلينا أيضا إعطاء الفرصة للجماهير في هذه المعارك لتدرك من خلال تجربتها الذاتية مدي صدق القرارات والوعود التي تقدم لها بعد اختبارها علي أرض الواقع حتي لا تتسع المسافة بين الطليعة والجماهير4 ـ كشفت تصريحات وبيانات تحالف القوي الإسلامية الذي يضم الإخوان المسلمين والجماعة الإسلامية والجماعات السلفية عن رفضها القاطع لإقرار وثيقة تتوافق عليها القوي السياسية قبل إجراء الانتخابات النيابية تحدد المباديء الدستورية الحاكمة وأسس تشكيل الجمعية التأسيسية لوضع الدستور الجديد بحيث تكون معبرة عن جميع طوائف وفئات الشعب المصري ، ولقد كشف هذا الموقف عن نية التحالف الإسلامي المبيتة لإختطاف الثورة وإستغلال خطأ المجلس العسكري فى ترتيب أولويات المرحلة الانتقالية لتكريس إنفراد هذا التيار بتشكيل الجمعية التأسيسية وإقرار دستور لإقامة دولة دينية تعود بالبلاد إلي غياهب العصور الوسطي. كما أن استمرار التحريض السافر للعديد من فصائل هذا التيار للإعتداء علي المتظاهرين والمعتصمين وتخوينهم وتكفيرهم واستمرار صمت الإخوان المسلمين علي هذا التحريض يضع هذا التيار فى مواجه مشروع القوي الثورية ويفرض هذا الوضع علي الأحزاب و القوي المدنية من اليساريين واللبراليين والتجمعات الشبابية من ألا تنجر وراء تحالفات انتهازية مع الاخوان المسلمين لتحقيق مكاسب صغيرة فى الانتخابات المقبلة مما يعيد انتاج نفس التحالفات الانتهازية للعديد من هذه القوي مع النظام البائد .5 ـ إن المخطط الأمريكي لإجهاض وإحتواء الثورات والانتفاضات العربية بشكل عام والثورة المصرية بشكل خاص يستند علي ايهام الرأي العام بتأييد الولايات المتحدة لهذه الثورات وخاصة الجانب الديمقراطي فيها فى نفس الوقت الذي تستخدم فيه كل إمكاناتها المادية ونفوذها الاقتصادي والعسكري للضغط حتي لا تحقق هذه الثورات أهدافها الجذرية وخاصة الوطنية والاجتماعية والتي يترتب علي انجازها تهديد صريح وواضح لمصالحها .وهذا المخطط الذي يجري الإعداد له بالتحالف مع اسرائيل والقوي الرجعية فى المنطقة بقيادة السعودية ويستند إلي ضرورة تشكيل تحالف حاكم جديد فى مصر يضم قوي الإسلام السياسي وخاصة الإخوان والسلفيين وقطاع من القوي الليبرالية وبقايا النظام السابق مع الحرص علي دعم وتأييد القوات المسلحة له ، بحيث يضمن هذا التحالف استمرار نفس النهج الاقتصادي النيوليبرالي مع إعادة ضبطه وتقييد مساحات الفساد فيه وتوسيع قاعدته الاجتماعية حتي يصبح أكثر تمثيلا للمصالح الرأسمالية الكبيرة بكافة فئاتها مع السعي لإكتساب الفئات العليا من الطبقات الوسطي لضمان الحفاظ علي المصالح الاستراتيجية الأمريكية فى المنطقة وتوفير الحماية والأمن لإسرائيل وإيقاف المد الثوري والديمقراطي الذي يهدد عروش الأنظمة الرجعية فى المنطقة .وفي هذا السياق يتم الإعلان عن بدأ الحوار العلني بين الحكومة الأمريكية والإخوان المسلمين وعن دعم الحكومة الأمريكية لمنظمات المجتمع المدني بمبلغ 45 مليون دولار كما تتدفق الأموال الضخمة من السعودية لتمويل التيار السلفي وقوي الإسلام السياسي ويتطلب هذا أن تنتبه القوي الوطنية والديمقراطية لهذا المخطط الذي يعتبر العدو الرئيسي للثورة المصرية وأن توجه جهدها الرئيسي لفضح هذا المخطط وكشف القوي السياسية المرتبطة به والسعي إلي بلورة مشروع وطني هادف إلي مواجهة الامبريالية والصهيونية وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الشاملة المعتمدة علي الذات باعتباره السبيل الوحيد لإستكمال الثورة وتحقيق أهدافها .6 ـ لقد بات واضحا أن هناك سعي من السلطة الحالية ( المجلس العسكري والحكومة )والتيار الليبرالي والتيار الإسلامي علي تهميش دور الطبقات الشعبية في الثورة ( العمال والفلاحين والكادحين ) والهجوم الاعلامي المكثف على اعتصامات واضرابات والعمال والموظفين المطالبة بالاجر العادل وتحسين ظروف العمل ومحاربة الفساد فى العديد من المواقع بعد الثورة واتهام مطالبهم المشروعة بانها مطالب فئوية ضيقة والتعامل معها بالقوة والعنف وتحويل بعضهم الى محاكمات عسكرية لارهاب وترويع العمال والفقراء المطالبين بحقوقهم ولقد كشفت كل المظاهرات والاحتجاجات العمالية والمظاهرات المليونية الأخيرة أن مطالب الطبقات الشعبية لا يمكن تجاهلها خاصة وأن الجماهير الشعبية لم تشعر أن قطار الثورة قد أتي لها بأي شيء حتي الآن ، وأن ما تحقق هو مجرد وعود فارغة ولذلك فنحن نري أهمية التركيز علي حل الاتحاد الحكومى و ضرورة مساندة هذه الطبقات علي تشكيل منظماتها الجماهيرية والتى بدات بالفعل فى ( النقابات والاتحادات العمالية المستقلة والاتحادات الفلاحية ) بحيث تكون هي الأدوات الحقيقية لتنظيم وتعبئة وتوحيد جهود هذه الطبقات للتعبير عن مصالحها وربطها بالقضايا السياسية العامة حتي تعي بأن مصالحها الأساسية لا يمكن تحقيقها إلا بتغيير النهج الاقتصادي والاجتماعي بشكل جذري وإقرار دور فاعل للدولة ودور حاكم للتخطيط الاقتصادي والقطاع العام فى اطار خطة للتنمية الشاملة وخطة لتوزيع عادل لثروات الوطن .ويمكن تلخيص أهدافنا فى المرحلة المقبلة فى النقاط التالية :1 ـ ضرورة توافق القوي الثورية علي تشكيل قيادة موحدة لها والاتفاق علي خريطة طريق تحدد الأهداف الاستراتجية والتكتيكية للثورة وأشكال وأساليب النضال الملائمة .2ـ استمرار النضال السلمي بكافة أشكاله وخاصة التظاهر والاعتصام باعتباره السلاح الفعال للضغط من أجل تحقيق المطالب العاجلة للثورة .3 ـ إقرار وثيقة المباديء الدستورية الحاكمة وأسس تشكيل الجمعية التأسيسية التي تتوافق عليها القوي السياسية والعمل علي إصدارها فى إعلان دستوري ملزم أو استفتاء الشعب عليها قبل الانتخابات النيابية القادمة .4 ـ تشكيل جبهة وطنية ديمقراطية للتصدي للمخطط الامبريالي الصهيوني فى المنطقة للخروج من التبعية والتأكيد علي الاستقلال الاقتصادي للبلاد ، وفي نفس الوقت لابد من توحيد القوي المدنية والديمقراطية للتصدي للقوي الرجعية المتسترة بالدين وإجهاض مشروعها الخطير لإقامة دولة دينية ، وبالتوازي مع هذين المحورين وفي القلب منهما لابد من تفعيل جبهة القوي الاشتراكية وتركيز عملها وسط الطبقة العاملة والفلاحين والنضال من اجل تحقيق برنامج واضح لتحقيق مطالبها الاقتصادية والاجتماعية والتنسيق فيما بين أطراف اليسار لتوحيد موقفها فى الانتخابات البرلمانية والرئاسية القادمة .
صادر عن الحزب الشيوعي المصري - 26 يوليو 2011