يرسم أ.علي حرب، في كتابه «أوهام النخبة» وبريشة الأديب، صورة جديدة لدور المثقف في المجتمع وواجباته، وعلاقته بالناس والسياسة والثقافة والفكر، كي يستعيد مكانته، التي هُمّشت في العالم العربي بشكل خاص، وهو يرى أن «المثقف فشل فشلاً ذريعاً، حينما أوكل لنفسه مهمةً رسولية نضالية، أي عندما تبنى مهمة الدفاع عن الحريات وحقوق الناس، والقيم العامة والأخلاق، والهوية والأمة، وحين طالب بالوحدة، والعدالة الاجتماعية والاشتراكية، والديمقراطية، وقد ازدادت الأمور سوءاً بفضله، فلا الوحدة والاجتماع تحققا، بل تعمَّقت التجزئة والقطرية، ولا يزال الظلم الاجتماعي والفقر والتهميش والاستبداد، بل اتسعت الفوارق الطبقية والهوة بين الأغنياء والفقراء، ما يعكس فشل المثقف، وعدم فهمه للواقع والطبيعة البشرية ومجرى الأحداث، وما أدى إلى شعوره بالخيبة واليأس والعزلة والغربة عن المجتمع، والهامشية.. فلم يعودوا طليعةً أو نخبةً، ولم تعد الجماهير مادةً بيدهم، وآلة لمشاريعهم وأفكارهم، حين اكتشفت هشاشتهم وفشلهم».
ثم يحصر علي حرب دور المثقف «في قدرته على تحليل الأفكار والمفاهيم، وتحويلها إلى معانٍ خلاقة خصبة، وترجمتها إلى آليات ناجحة في التطبيق، وصالحة لواقعنا، وبيئتنا، فالمثقف مجرَّد وسيط فقط لا غير».
وأضح أن صاحبنا يُقوض دور «المثقف العضوي» عند أنطونيو غرامشي، ويخالفه، وهو لا يشترط «أن يكون المثقف فاعلاً اجتماعياً ومناضلاً يحمل هموم الشعب وقضاياه»، ولا يطلب منه أن يكون نزيهاً، ونظيف الكف، كما يشترط هادي العلوي، ولا يرجو منه، أن ينزل إلى الشارع، ويشارك الجماهير، ويتفاعل معها كما يطلب عبدالوهاب المسيري.
كما أنه لم يوضح في كتابه لماذا ازداد الفقر والتهميش والظلم والتفكيك والتجزئة والتخلف والاستغلال و.. فهل يُعقل أن المتسبب في كل هذه الأوجاع والآلام والانكسارات في جسد الأمة هم النخبة المثقفة؟
وليسمح لنا العزيز أبوماهر، فقد اعتدتُ على اتساع صدره، وقبوله للنقد برحابة ومرونة، فهو حين رسم هذا الدور للمثقف، كان منسجماً مع ذاته، وسلوكه اليومي، وكأنه يدافع عن نفسه، فهو يمارس الكتابة، من أجل المتعة والتسلية والتعبير، وهو أيضاً لم يتبنَ يوماً مهمة الدفاع عن حقوق الشعب اللبناني، ومكتسباته، أو قضايا الأمة العربية، وفلسطين المحتلة، وهو لم يخرج في تظاهرة بحياته، لربما خرج في وقفة «أنا شارلي» في بيروت، وهو كذلك مبتعد عن المشاركة في الفعاليات والندوات التي تُعقد بالحمرا، بجانب داره ومجلسه اليومي في المقاهي، باستثناء حضوره السنوي في مهرجان الجنادرية.
ومع ذلك، يبقى كتابه ذا قيمة لمَن يريد أن يطلع على رؤى وأفكار جديدة وجريئة حول النخبة المثقفة ودورها، وهناك ما اتفق معه فيه، كتبديد الهالة والقداسة التي يضعها المثقفون حول أنفسهم، واستعلائهم على غيرهم من عامة الناس، باعتبارهم من النخبة.
بقلم عضو التيار التقدمي الكويتي الزميل أحمد الجاسم