كنت أفكر ليلة البارحة في كيفية إنجاز بعض الأعمال الضرورية التي تتطلّب مني الذهاب، صباح الغد(اليوم)، إلى جنوب السرة والضجيج وأسواق القرين. وضعت خطة استراتيجية مُحكمة تكفل إنجاز مهمتي بنجاح. وحرصت كثيرا على أن تكون خطة واقعية وقابلة للتطبيق. كان التحدي الحقيقي هو الازدحام المروري الذي أصبح من المنغصات اليومية التي تغثّ أرواح سكّان الكويت. أظن أنّ مَن وصف الازدحام المروري في الكويت بـ" الاختناق" كان شاعرا وليس رجل مرور.خط سيري سيكون عبر طريق الملك فهد وهذا يعني أنني سأمر على أسوأ بقعة ازدحام مروري في طرق الكويت، إلى درجة أنني أسميتها "بقعة البكاء". يبلغ طول هذه البقعة 3 كيلومترات وتمتد من منطقة هدية وحتى جسر الدائري السابع باتجاه العاصمة. قد يستغرب البعض من قِصر المسافة ولكن يغيب عن أذهان هؤلاء أن المعاناة النفسية لا علاقة لها بالمسافات. فـ فرانز كافكا(كاتب وشاعر تشيكي يهودي) وصف مسيره الصباحي من البيت إلى المدرسة الابتدائية بـ" رحلة العذاب اليومية". وعندما تتبّعت خُطاه في براغ خريف 2015 وجدت أن هذه المسافة لا تتجاوز الـ 200م تقريبا. لتحاشي "بقعة البكاء"؛ وضعت خطة مُحكمة تقوم على تكتيكين اثنين:1- عدم مغادرة المنزل قبل الساعة ٨ صباحا للتأكد من انتهاء ازدحام الطلبة والموظفين.2- استخدام الطرق الداخلية الفرعية بدلا من طريق الملك فهد مع التركيز على شارع الغوص الموازي.وقبل أن أنام..راجعت الخطة مجددا، فشعرت بالرضا التام، ونمت قرير العين وعلى وجهي طيف ابتسامة واسعة.صحوت عند الساعة 6 صباحا. تذكّرت ما ينتظرني من مهمّات، فشعرت بكآبة كثيفة كادت أن تخنق روحي، لولا أنها تحوّلت، بلمح البصر، إلى رغبة شديدة في استكمال نومي الذي ما زال يحاول التشبث بوجهي وعيوني. عزمت على إلغاء استراتيجيتي الوليدة واستبدالها بلجنة تقوم ببحث قضية الازدحام المروري، على أن ترفع تقريرها النهائي لي في موعد أقصاه شهر واحد من الآن. قررت الاستعانة بالخبرات الموجودة لدى الحكومة بحكم أنها صاحبة الفضل الأول في جعل الكويت مرشحة للحصول على لقب "الدولة الأولى في عدد اللجان". فلدينا لجان عليا ولجان وزارية ولجان رئيسية ولجان فرعية ولجان دائمة ولجان مؤقتة ولجان فنية ولجان تمهيدية ولجان عامة ولجان خاصة.. إلخ إلخ. تنشئ الحكومة اللجان لمواجهة الأزمات وإيجاد حلولها، ورغم ذلك لا نفشل فقط في مواجهة الأزمات بل يتدهور مركزنا في مؤشرات التنمية الدولية. وكلّما واجهت الدولة مشكلة ما؛ تقوم الحكومة بتشكيل لجنة، فنفقد مركزا جديدا، فتقوم بتشكيل لجنة جديدة لبحث السبب، فنفقد مركزا جديدا، وهكذا دواليك. وعندما تسوء الأوضاع، تعلن الحكومة استيائها الشديد لما وصلت إليه الأمور!قلت لنفسي: أنا بعد مستاء جدا جدا جدا وأكثر من استياء الحكومة، لكن ماني مستعجل.وانقلبت على جنبي وتلحّفت ونمت.بقلم عبدالهادي الجميل١٤ مارس ٢٠١٨