ما حدث قبل أيام في بنيد القار من مشادات كلامية وتبادل للشتائم وتراشق بالحجر وتشابك بالأيدي بين مؤبني "حسن شحاته" والرافضين للتأبين باعتبار أن المتوفى من السبابين واللعانين لأمهات المؤمنين والصحابة لهو مؤشر خطير على تطور الصراع المذهبي في الكويت فجرس الإنذار لم يقرع لأنه استهلك ومل من التنبيه والإنذار فانتهت صلاحيته وما من مجيب!
فلا الدولة قادرة على ضبط المتطرفين والطائفيين والمحرضين ومحاسبتهم، أو هي لا تريد التدخل أو مستفيدة من إنقسام المجتمع، ولا المجتمع يمتلك الوعي الكافي الذي يستطيع به تحصين نفسه وإبعادها عن المؤثرات التحريضية التي تجرنا إلى الإنزلاق في حربٍ لا تنطفئ نيرانها وأحقادها حتى تأكل الأخضر واليابس.
ولو كلف الكويتيون أنفسهم بالنظر لما يجري في العالم العربي من أحداث وما يترتب عليها من دمار وخراب وتشريد و ضحايا في العراق وسوريا بسبب النزعات الأهلية والطائفية لاتعظنا، فالكويت بلد صغير في قلب منطقة مضطربة وملتهبة باستمرار، وهي لا تقبل التقسيم والتقطيع حتى تأخذ كل طائفة حصتها وأرضها ونخلص من شرها!
فالحروب الأهلية لا تجد فيها منتصراً، وهذا هو لبنان شاهد على ما أدَّعيه فما أصابه طيلة خمسة عشر عاماً (١٩٧٥-١٩٩٠م) من الاقتتال الطائفي حتى خسرت جميع الأطراف فاندفعت ورضخت للحوار والتفاهم في صيغة معينة تقر العيش المشترك والسلم الأهلي.
وقد يكون أحياناً الصراع إيجابي ومنتج للتقدم عندما يكون بين أحزاب وتيارات وبرامج تتنافس على تداول السلطة السياسية كأن يكون الصراع بين "المحافظين والديمقراطيين" أو بين "الليبراليين والاشتراكيين" كما يجري اليوم في الدول الأوربية التي تخلصت من الحروب الدينية و المذهبية بفضل التنوير و قيم الحداثة...
يظن الأصوليّين عندنا أننا نعيش في غابة فمن حق القوي منهم أن يفرض إرادته وأجندته ومفاهيمه الضيقة على الآخر الضعيف دون أي اعتبار للدولة أو للقوانين والتشريعات الدستورية التي تحمي حقوق الأفراد والجماعات وتنظم العلاقة بين الحاكم و المحكوم ، فالمادة ٣٥ من الدستور الكويتي تنص على أن « حرية الاعتقاد مطلقة وتحمي الدولة حرية القيام بشعائر الأديان طبقاً للعادات المرعية ...» فتأبين المتوفي (بصرف النظر عن أخلاق الميت وسلوكياته وتوجهاتة) هو حق لأتباعه ومريديه، فلو أراد التقدميون أن يؤبنوا المناضل نلسن مانديلا بعد موته لا يحق لأحد منعهم بمنطق القوة والتهديد وعلى المتضرر المعترض أن يلجأ للقضاء والقانون لكي يأخذ حقه، وهذا ما فعله المحامي دويم المويزري الذي سجل قضية ضد المؤبنين معتبراً أن "الفعل مثير للفتنة"... بهذا الأسلوب يمكننا تحجيم خلافاتنا و نزاعاتنا بطرق حضارية تحفظ السلم الأهلي و تؤسس لأخلاق بدلاً من العنف.
أتمنى أن لا أكون كالنافخ في الرماد أو كالصارخ في واد.