لا يخجل الانسان الوضيع من مكانته ومن يخجل هو الانسان الكريم، الذي يهان ولا يغضب الانسان الذليل ومن يغضب هو الانسان العزيز، الذي يهمش ولا يجزع من سوء حالته الانسان الضعيف ومن يجزع هو القوي الذي استُضعف، ولا يستحي العبد من عبوديته ومن يستحي هو الحر إذا استُعبدفللإنسان ظرف وواقع نشأ عليه، فعندما تُحدث أحدهم عن الكرامة وهو لم ينشأ في بيئة كريمة فكأنك تخاطب إنساناً بلغة لا يفهمها ولا يجيدها، فالتنشئة الاجتماعية مهمة جداً في تشكيل سلوكيات أبنائنا وبناء شخصياتهم، فالقيم لا يستسقيها الإنسان إلا من خلال بيئته فطالما اعتاد من أبيه أن يضع اعتباراً للمرتشي وأن يصادق الذليل والوضيع فالنتيجة هي أنه سيكون وضيعاً لأنه اعتاد منه ذلك، فتكون سلوكياته قائمة على الغش والكذب والدناءة وفقدان الحياء والمروءة واللف والدوران، فوالداك هما من يحددان أما أن تكون كريماً أو وضيعاً ولكن....!في الآونة الأخيرة لم نعد نرى من يخجل أو يغضب أو يجزع أو يستحي، وكأن الأصل العام هي بيئة وضيعة وهذا ما لا شك فيه منافٍ للحقيقة و يعود إلى فقدان الجدية وخاصة في جيل الشباب الذي يُغيب عن تحمل المسؤولية ويُهمش رأيه ويحرم من المشاركة في القرار، ولهذا نتائج عديدة يتحملها بشكل رئيسي النظام السياسي الذي جعل منّا ضحايا لنظرية (أما - أو). فهو الذي يغذي كل قطاعات الدولة بمعايير عدم تكافؤ الفرص والمحسوبية والشللية حتى طفح كيل تلك القطاعات بالفساد والرداءة والسخافة وخلق أجيال متعاقبة فقدت روح المسؤولية والجدية في تناول والتعاطي مع القضايا العامة، بل خلقت روحاً انهزامية انتهازية في شخصية الشاب وأي تمرد على هذه الروح السائدة مصيرها السجن والملاحقة الأمنية وخسائر فادحة لمستقبلهم.لا نريد أن نجرد هذه الظاهرة من واقعها المادي الذي خلقه النظام السياسي ووضعه على كاهل الأسرة وشكّل ظروفاً وواقعاً قاسياً أجبر من خلاله الناس أن يتعايشوا معه كأمر واقع، فبعد أن همشهم أذلهم واستعبدهم واستوضعهم واستضعفهم.هذا كله نتيجة إعاقة التطور الديمقراطي فنتج عنه تشوّه أخلاقي عام في المجتمع ولا زلنا ندفع ثمن ذلك اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً ونهضوياً، فمن خلال نظرة سريعة للقضايا الاجتماعية كأزمة السكن والطلاق والغلاء المعيشي وانحطاط الذوق العام في الفنون والاداب والمسرح والدراما وسذاجة وسطحية الأعمال والمبادرات ستتضح لك الرؤية بشكل أعمقلا أسعى من خلال هذا النص أن أضع الناس بين خيارين (أما - أو) فليس كل أنسان أما مناضلاً أو انتهازياً، فهامش الحياة أوسع من ذلك بكثير، ولكنه النظام السياسي الجامد الذي لم يواكب تطور الحياة هو الذي يريد منك في ظروف قاسية أما أن تكون كريماً أو وضيعاً، ومع مرور الوقت وعدم تطوير واقعنا ستجدنا كلنا في الخانة الأخيرة. فقوموا إلى الخانة الأولى يرحمكم الله.بقلم أنور الفكر24 يناير 2016