اليسار ومواجهة النيوليبرالية في مجال الثقافة
*نشرت هذه الورقة في العدد التاسعة- ربيع 2014 من مجلة الطريق, كعدد خاص مكرس للكاتب والمناضل محمد دكروب
*ملاحظة: هذه الورقة قدمت في الندوة التكريمية للمفكر اللبناني الراحل محمد دكروب تحت عنوان "محمد دكروب .. المثقف الثوري والتغيير" التي دعت إليها مجلة الطريق اللبنانية وأقيمت في 28 مارس 2014 في بيروت، وشارك فيها نخبة من المثقفين والمفكرين العرب، ومن الكويت شارك فيها وليد الرجيب بهذه الورقة.
كتب: وليد الرجيب
إن النضال ضد العدو الطبقي لا يقتصر على السياسي الاجتماعي، بل لابد من التصدي للفكر والثقافة اللتين أنتجتهما الليبرالية والنيوليبرالية وتفكيكهما، حيث لم تعد المعركة سهلة التحليل والتفسير وبالتالي خوضها بالأدوات النضالية التقليدية، التي أصبح من المستحق تجديدها ورؤيتها في تعقيدها الجديد الذي تواجهه قوى اليسار، حيث ما زالت أطراف منها متوقفة فكرياً وثقافياً عند مرحلة الاستعمار والتحرر الوطني المباشر والواضح المعالم.
فالمعركة ضد العدو الأيديولوجي يجب أن تكون شاملة في جوانبها السياسية والاقتصادية، وكذلك التصدي للثقافة النيوليبرالية بمفهومها العام وتجلياتها الإبداعية، فما يسوّق لنا وما نواجهه ليس فقط أيديولوجية الهيمنة السياسية الاقتصادية ومشاريعها المعادية، بل أيضاً ثقافتها وانعكاساتها على مجتمعاتنا وطبيعة تفكيرها.
فمنذ البداية ركز مناضلونا من المفكرين اليساريين على ربط النضال السياسي بالنضال الثقافي في تجلياتهما عبر الزمن، من مرحلة الاستعمار والتحرر الوطني إلى العولمة الرأسمالية، مع إدراك ووعي أن الرأسمالية في جميع مراحلها لم تخرج عن بنيتها وجوهرها وقوانينها الاقتصادية، رغم التطور الهائل في التكنولوجيا ووسائل الاتصال.
فالثقافة هي أداة تصدٍّ للثقافة النيوليبرالية، مما يعني إدراك أهمية شمولية النضال، بينما أهملت بعض قوى اليسار وخاصة بعد انهيار تجربة التطبيق الاشتراكي في الاتحاد السوفييتي والمنظومة الاشتراكية التصدي الثقافي وغابت الصورة الكبيرة، وهذا ما جعل هذه القوى اليسارية تراوح في نضالها وخطابها، ولم تستطع الفكاك من إسار الماضي وتقاليدها وجمودها الفكري، فتم تجاهل قانون الحركة الجدلية وظلت القراءات ترى الواقع في جموده أو استاتيكيتة، وترى الجديد بمنظور القديم.
إن دور الثقافة هو مواجهة الاستبداد والاستغلال في أثوابه المتغيرة أو المتجددة، ولا يمكن ذلك إلا بتعرية الاستغلال وهو ما يتطلب رؤية متجددة ومبدعة مع تطبيق خلاق للنضال وفقاً للمتغيرات، وذلك من خلال المواجهة والمعركة الثقافية.
وهذا يعني المراجعة التحليلية النقدية لمسيرة اليسار بشكل دائم ومستمر مع الانعطافات التاريخية، وتجديد الخطاب والمصطلح الملتبس والرؤية الثقافية التي تضمن الحيوية في العمل والتحليل، لتجنب الترهل والاغتراب عن الجماهير ضمن الخصوصيات المختلفة للمجتمعات، أو ضمن النسبيات الثلاث الزمان والمكان والبشر. فالفكر الماركسي يؤمن بأن الفكر يكون أكثر فعالية للحياة والتأثير عليها كلما كانت متغيراته أكثر من ثوابته.
ثقافوبيا
الثقافة تسبب هلعاً وأرقاً للعدو الطبقي، والتي قد تكون أخطر عليه من العمل السياسي التقليدي المباشر أو حمل السلاح، وكما قال المفكر المصري الراحل محمود أمين العالم:" هناك علاقات تناقضية جدلية منتجة بين سلطة الثقافة وثقافة السلطة"، فبالنسبة للسلطات الإمبريالية والرأسمالية التابعة والقوى الظلامية فإن الكلمة أقوى من الرصاصة، وهي تثير الرعب والهلع في نفوسهم.
ويُعتبر غوبلز وزير الدعاية في ألمانيا النازية من أشرس مساعدي هتلر، ولكنه يستشعر الخطر والخوف من كلمة ثقافة، والتي عبر عنها بقوله:" كلما سمعت كلمة ثقافة تحسست مسدسي"، ويزخر التاريخ بشواهد ملموسة على ذلك:
فمثلاً، لماذا اختارت قوى الظلام والعدوان اغتيال مفكرين مثل حسين مروة ومهدي عامل وفرج فودة وغسان كنفاني، وحاولت اغتيال الأديب المصري الكبير نجيب محفوظ بطعنة في رقبته؟ فهذه القوى المتخلفة المنسجمة الاتجاه مع النيوليبرالية والصهيونية والضالعة في مشروعاتها، لم تختر عدواً صهيونياً أو رجال سلاح بل ركزت جل حقدها على الثقافة والكلمة.
ولماذا يتعرض آلاف من المبدعين والمفكرين والمثقفين إلى السجن والتعذيب والإعدام؟ ألا يشكل ذلك دليلاً لا لبس فيه على أن المثقف ونتاجه يشكل خطراً قد يكون أكثر من خطر الإرهابي على المستعمر والمستبد والظلامي؟
لماذا يعيش الشعراء والمفكرون ويموتون في المنافي؟ مثل الجواهري والبياتي ونازك الملائكة وناظم حكمت، الذي كانت السلطات التركية تخشى حتى من رفاته وليس أعماله وفكره فقط.
إذاً خطر الثقافة لا يكمن في الأحياء من المثقفين فقط بل بالأموات منهم أيضاً، ألم تقم النازية بتفجير قبور الأدباء الروس العظام مثل تولستوي ودستيفسكي وبوشكين؟ رغم أن هؤلاء ماتوا من أزمان بعيدة قبل الثورة البلشفية بكثير، ولكنهم بالنسبة للنازي المحتل يشكلون رمزاً للجمال والثقافة التي تكرههما الرأسمالية والفاشية، ويعريانهما بصفتهما خارج سياق الإنسانية.
ففي مقابل توحش الرأسمالية وإيغالها بتدمير بلداننا ومجتمعاتنا سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وعسكرياً، لا بد من إطار نظري لأهمية الثقافة يدعم نضالات شعوبنا ويوجهها الوجهة الصحيحة.
رغم أن بعض قوى اليسار وأحزابها لم تعط أهمية أساسية للثقافة وتجلياتها الأدبية والفنية، واعتبرتها شيئاً مكملاً وثانوياً في نضالها، فلم يعد كثير من المناضلين التقدميين يستمتعون بالأدب والفن إلا إذا كان مباشراً، بينما يضرب لنا لينين مثالاً لأهمية الثقافة والفن والأدب في لقائه مع الكمسمول عندما سأل طلبة الجامعة من الشبيبة الشيوعية: هل قرأتم لتولستوي ودستيفسكي وبوشكين، ردوا عليه بأن هؤلاء من مخلفات الماضي الذي قضت عليه الثورة، فقال لهم: هؤلاء هم من حضّر ومهّد للثورة.
من الليبرالية إلى النيوليبرالية وتدويل الإنتاج
الرأسمالية عجوز متصابية، فمهما أضافت من مكياج ومساحيق، ومهما حاولت العودة إلى الصبا من خلال عمليات التجميل، فستظل عجوزاً يتقدم بها العمر وهي آيلة للفناء، فلا أكسير للحياة سوى سيرورة التقدم ذاته، فالجوهر يتناقض مع المظهر في مرحلة ما، ومهما حاولت الرأسمالية تجديد نفسها والمناورة العبثية لديمومتها فلن تصبح نهاية التاريخ.
فالليبرالية عندما كانت يافعة وفتية استطاعت إحراز تقدم ثقافي عبر الشعار الأخلاقي "حرية إخاء مساواة"، ولكنها كي تكون واقعية "براغماتية" ومنسجمة مع قوانينها الخاصة كان لا بد لها من التخلي عن مبدأي الإخاء والمساواة والتركيز على الحرية واحترام الاستقلالية والحرية الشخصية كمبدأ أخلاقي ونفعي في آن، ففي المجال السياسي كانت تعني أنها ضد شمولية الأنظمة الملكية والحق الإلهي، وفي المجال الاقتصادي كانت تعني حرية العمل وحرية التبادل وحرية المؤسسة وضد التدخلات الحكومية في الاقتصاد ومع حرية الأسواق.
إن القفزة في التطور إبان الثورة الصناعية، لم تكن سوى نتيجة وبحث تفتّق عنه ذهن الليبرالية لزيادة أرباحها ولمزيد من تركز الرساميل، إضافة إلى إن الثورة الصناعية كانت نتيجة لتطور الرأسمالية، لكن لم يكن الهدف منها سعادة البشرية وتيسير حياتهم، فالحقيقة الثابتة أن الرأسمالية تسعى في هدفها النهائي فقط للربح وتعاظمه، وإذا كانت أهمية المُنتَج بالنسبة للمستهلك (المجتمع) تكمن في قيمته الاستعمالية، فإن أهميته بالنسبة للرأسمالي تكمن في قيمته التبادلية، فكل مُنتج هو في النهاية سلعة تُباع في الأسواق المحلية والخارجية، والهدف من وراء إنتاجها وبيعها هو ربح أكثر في جيب الرأسمالي صاحب المصنع المُنتِج لهذه السلعة، بما فيها قوة عمل العامل التي تتحول إلى سلعة بحد ذاتها، فلكي يحقق الرأسمالي الأرباح فلا بد من استغلال قوة عمل العامل لإنتاج فائض القيمة الذي ينتج السلع ويطور الآلة وطرق المواصلات ووسائل النقل بما فيها السيارات والبواخر والطائرات لتحقيق مزيد من الأرباح التي تصب في جيبه هو، وليس الهدف هو سعادة الإنسان ورخائه كما أسلفنا.
بيد أن الرأسمالية وفكرها الليبرالي يتعرضان لنكسات وأزمات اقتصادية وفكرية، لا تحل إلا بالنزاعات المسلحة، مع واقع أنه دخل في المعادلة الدولية نظام نقيض لها وهو النظام الاشتراكي، وقد كانت الدول الرأسمالية تتوقع أن تضرب عصفورين بحجر، هما إعادة تقسيم العالم والثروات بينها وتحطيم النظام الاشتراكي الذي يشكل خطراً على الطرفين المتحاربين، دول المحور الذي يضم ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية واليابانمن ناحية، ودول التحالف من غير الاتحاد السوفييتي وهي بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية من ناحية أخرى، وبعد الانتصار التاريخي للجيش السوفييتي على الجيوش النازية، ورفعه علم الاتحاد السوفييتي على مبنى الرايخ الثالث، كان لا بد من إعادة ترتيب المعادلات، إذ تحولت إعادة تقسيم النفوذ من تقسيم بين الدول الرأسمالية إلى تقسيم بين معسكرين رأسمالي واشتراكي.
كما أن انتصار الاتحاد السوفييتي كان له تأثير في إعادة النظر بتوجهات الفكر الليبرالي الذي لم يستطع أن يخفي الإنجازات الاجتماعية الاقتصادية والعسكرية التي تحققت في الاتحاد السوفييتي عن شعوب الدول الرأسمالية، التي بدأت تطالب ببعض حقوقها أسوة بالشعب السوفييتي، وهنا دخل "كينز" خشبة المسرح.
وقد كان كينز يعرّف نفسه ليبرالياً، وكان عضواً ناشطاً في الحزب الليبرالي الإنجليزي، ولكنه كان مدافعاً بشكل مستميت عن الحرية الفردية، وخاصة في المجال الأخلاقي والديمقراطية السياسية، مؤمناً مثل نظرائه بأن الرأسمالية قد أصبحت تنتج شروراً خطيرة مثل الأزمات والبطالة والفقر واللا تكافؤ، وأصبح لزاماً على الدولة أن تتدخل لمعالجة هذه الشرور، وأطلق على هذه السياسة الليبرالية الاجتماعية أو الاشتراكية الليبرالية، التي كانت في واقع الأمر رأسمالية مخففة أو بالتعبير الكاريكاتوري "الرأسمالية الطيبة"، التي اعتبرها طريقاً ثالثاً بين الليبرالية والاشتراكية، جوهرها وأساسها النظري هو عقلنة دولة الرفاه من الناحية الاقتصادية، إذ لا يمكن معالجة تلك الأزمات / الشرور إلا بتدخل حيوي من الدولة، فأعاد بذلك السياسي الاجتماعي إلى الواجهة مقارنة بما هو اقتصادي. وأجبرت الرأسمالية وربما على سبيل المناورة على تناول قضايا الحق في العمل والحق في الدخل اللائق والحق في الرعاية الاجتماعية بما فيها الخدمات الصحية والتعليمية، باعتبارها ضمانات من الدول تقدمها لشعوبها.
ولكن هل تضمنت هذه الحقوق والضمانات تغييرات بنيوية في الاقتصاد الرأسمالي؟ فرغم تدخل الدولة في الاقتصاد والتنازل لإقرار بعض الحقوق الاجتماعية للناس إلا أن السياسة الكينزية أو الليبرالية الاجتماعية لم تكن خارج القوانين الاقتصادية للرأسمالية رغم تخفيفها الضغوط على معاناة الشعوب.
لكن انتصار الاتحاد السوفييتي لم يدفع الرأسمالية للمناورة فقط، بل تشكل واقع سياسي واجتماعي وثقافي جديد، تمثل في حركات التحرر الوطني والاجتماعي والرغبة في التخلص من الاستعماروالتبعية في قارات آسيا وأفريقيا وأمريكا الوسطى والجنوبية، مثل الثورة الكوبية والثورة الجزائرية وثورة أنغولا والجبهة الشعبية في عمان، وبروز وثقافة المقاومة مثل المقاومة الفلسطينية والمقاومة الفيتنامية للغزو الأمريكي، وظهور نزعات ثقافية ثورية مثل "النزعة الغيفارية" إن جاز التعبير، كما تشكلت المنظمات الاجتماعية والنقابية العالمية، ومنظمات دولية تجمع الدول المتحررة مثل حركة دول عدم الانحياز أو القوى المعادية للاستعمار مثل منظمة التضامن الآفروآسيوي، وتوسع تأسيس الأحزاب الشيوعية والعمالية على المستوى العالمي وبالأخص في الدول التي سميت ب"العالم الثالث"، هذه الثقافة تشكلت بعد الحرب العالمية الثانية، وتبلور بعضها في تحول منطقي من القومي إلى اليساري، ومن تقديس العنف الثوري إلى المنهج الثوري العلمي المادي الجدلي والنظرية الماركسية، واستمر حتى بداية تسعينيات القرن الماضي عندما انهارت تجربة التطبيق الاشتراكي في كل من الاتحاد السوفييتي ودول أوربا الشرقية، وانتهت معها الحرب الباردة بين المعسكرين الرأسمالي والاشتراكي.
وهذا الوضع الذي جعل من الولايات المتحدة قطباً أوحد، جعل قوى اليسار تنكفئ على نفسها وتراجعت الثقافة الثورية والتحررية، خلق في نفس الوقت الوهم بفشل النظرية الماركسية وأن الرأسمالية هي بالفعل نهاية التاريخ، بل وجدت بعض أحزاب اليسار نفسها ليس في موقع الصراع الطبقي ولكن في موقع الصراع إذا لم نقل الدفاع القومي، وتسربت الثقافة القومية والليبرالية وحتى الطائفية في صفوف وثقافة بعض أطراف اليسار.
ولأن الكينزية التي لم تستمر أكثر من ثلاثة عقود لم تشبع شهوة الرأسمالية في الذهاب إلى أقصى مدى من تحقيق الهدف رقم واحد لديها وهو الربح وتعاظمه، ووجدت في الكينزية نوعاً من تقييد طموحها أو جموحها، كما وجدت في أرضية كونها القطب الأوحد مع تراجع ثقافة المقاومة والصراع الطبقي، ذريعة للتراجع عن الكينزية ولم تجد مثل فريدريش حايك وميلتون فريدمان لترويج تيار أيديولوجي وسياسي يدعو إلى التبشير بسياسة اقتصادية جديدة هي "النيوليبرالية" رغم غموض المصطلح والمفهوم عبر تاريخه منذ ظهوره في الأدبيات الاقتصادية، حيث أكد حايك أن أي شكل من أشكال تدخل الدولة في الاقتصاد، خاصة إذا سعى إلى تحقيق خرافة العدالة الاجتماعية، لا يمكن أن يؤدي إلا إلى نتائج مغايرة تماماً لتلك المتوقعة، وبالتالي تعيد الطريق أمام الحكم الشمولي، ويرى أن أزمة السبعينيات والثمانينيات لم تكن سوى ثمرة السياسات الكينزية في تدخلية الدولة، وأن البطالة هي العلاج الضروري لاستعادة التوازنات التي أضرت بها تلك السياسات.
أما فريدمان المنظّر الأوسع شهرة للنيوليبرالية، فهو يضع مقاومة التضخم النقدي كأولوية مطلقة قبل مقاومة البطالة، فهو يطرح بديلاً عن تدخلية الدولة الكينزية من خلال فك ارتباط الدولة نهائياً بالاقتصاد، والخصخصة ورفع القيود وإضعاف النفوذ النقابي وكل القيود التي تؤثر على أسواق العمل مثل التأمين ضد البطالة والحد الأدنى للأجر، فهذه القيود هي المسؤولة عن المستوى المرتفع لما أسماه "النسبة الطبيعية للبطالة"، بل أن كل بطالة هي إرادية وناتجة عن اختيار من العمال أنفسهم، ولكن رونالد ريغان أوغل في انحيازه لمصالح كبار الرأسماليين وعدائه للفئات الشعبية والمهمشة، بأن دعا إلى تقليص ضرائب الأفراد الأكثر ثراء، وإلى حذف كل برامج الحماية الاجتماعية "التي تصلح لحماية الكسالى والمنحرفين" على حد تعبيره.
وتغيرت جراء ذلك ملامح الخارطة الطبقية فاتسعت الهوة، وازداد الأغنياء غنى وازداد الفقراء فقراً، وكثرت الأدبيات التي تبرر لا أخلاقية هذه السياسة الاقتصادية، إذ قال "أندريه كونت سبونفيل" في كتابه "هل الرأسمالية أخلاقية؟": "أن الأخلاق ليست ملائمة إطلاقاً لوصف أو شرح أي مسار كان ضمن الاقتصاد".
ويدلل النيوليبراليون على ضرورة إخراج العدالة الاجتماعية وانعدامها عن أي معنى أخلاقي، لكن سبونفيل يعترف أيضاً: "بأن الرأسمالية قد تكون غير عادلة على غرار الطبيعة في توزيعها المواهب بين البشر، لكن من المؤكد أنها ليست أخلاقية".
بل أدعى حايك وفريدمان أنه في الحالات الاستثنائية يمكن أن تكون الدكتاتورية أمراً ضرورياً لإقامة الحرية الاقتصادية، كما يمكن للنيوليبرالية في مستوى القيم الأخلاقية أن تتماشى مع النزعة المحافظة والأصولية الدينية، بينما أكد ماركس في مخطوطات العام 1844م، على أن الاقتصاد "علم أخلاقي حقيقي، الأكثر أخلاقية من بين العلوم كافة".
ويرى الاقتصادي البحريني "عبد الجليل النعيمي:" أن لا أخلاقية الرأسمالية هي التي حفّزت تطور الرأسمالية سواء في مراحلها الأولى (التراكم البدائي لرأس المال) أوالمتقدمة، فقوانين التطور الموضوعية للرأسمالية تعمق تناقضاتها الداخلية، وبالتالي تفاقم الأزمة العامة للرأسمالية ما يفتح الطريق أمام بديلها التاريخي – الاشتراكية، وبالتأكيد يمكن الحديث عن إن الأزمة المالية للرأسمالية قد تطورت إلى اقتصادية وسياسية وأخلاقية فغدت أزمة عامة للرأسمالية".
مانيفستو العولمة وثقافة تدويل الإنتاج
أشار مؤلفا "فخ العولمة" الاعتداء على الديموقراطية والرفاهية"، الكاتبان الألمانيان "هانس بيترمارتن" و"هرالد شومان"، في الفصل الأول بشكل حكائي مشوق، التدشين الإعلامي أو الإعلان عن مرحلة جديدة هي "العولمة"، وكأنه (مانيفستو الشر) في فندق "فيرمونت" بكاليفورنيا نهاية سبتمبر عام 1995م، هذا المانيفستو يشكل الحد الفاصل بين الحاضر والمستقبل.
كتب المؤلفان:" في هذا المكان الذي شهد أحداثاً جساما، وقف واحد من القلة الحاضرة والذي كان هو نفسه قد حدد مسار التأريخ محيياً نخبة من العالم المجتمعين في القاعة الكبيرة، ولم يكن هذا الشخص سوى "ميخائيل غورباتشوف"، فقد كان بعض الأثرياء الأمريكيين قد تبرعوا بالمال اللازم ليؤسسوا له في "البرزيديون" بخاصة، معهداً تعبيراً عن شكرهم وتقديرهم لشخصه (وربما لدوره)، وهكذا فقد دعا غورباتشوف خمسمائة من قادة العالم في مجالات السياسة والمال والاقتصاد، وكذلك علماء من كل القارات، وكان المطلوب من هذا الجمع المختار بعناية، والذي وصفه آخر رئيس للاتحاد السوفييتي وحامل جائزة نوبل بأنه: "ما هو إلا هيئة خبراء جديدة"، نعم كان المطلوب منه هو أن يبين معالم الطريق إلى القرن الحادي والعشرين، وهذه الطريق التي "ستفضي إلى حضارة جديدة".
وهكذا تحتم أن يلتقي قادة من المستوى العالمي حنّكتهم التجربة، من أمثال جورج بوش وجورج شولتس ومارجريت تاتشر بقادة كوكبنا الأرضي الجدد، من أمثال رئيس مؤسسة "سي أن أن" CNN، هذا الرجل الذي دمج شركته ب "تايم وارنر" ليجعل منهما أكبر اتحاد في مجال المعلومات في العالم، وقد أرادوا أن يقضوا ثلاثة أيام في التفكير بعمق وتركيز، وفي حلقات عمل مصغرة معاً إلى جانب أقطاب العولمة في عالم الكمبيوتر والمال، كذلك مع كهنة الاقتصاد الكبار وأساتذة الاقتصاد في جامعات "ستانفورد" و"هارفرد" و" أكسفورد".
فهذا الاجتماع هو لإعلان قرار قد أُتخذ، وليس مكان للحوار والمناقشات المسهبة حول مستقبل الاقتصاد والبشرية، فهل هناك إشارة إلى العالم أكثر من تلك التي تعني: "أن العالم وبشهادة آخر رئيس سوفييتي أصبح ملكاً لنا"، حيث أكد مدير شركة الكمبيوتر الأمريكية جون جيج:" بمستطاع كل فرد أن يعمل لدينا المدة التي تناسبه إننا لا نحتاج للحصول على تأشيرات سفر للعاملين لدينا من الأجانب"، فالحكومات ولوائحها لم تعد لها أهمية في عالم العمل، أنه يشغّل من هو بحاجة إليه، وهو يفضل الآن "عقول الهند الجيدة" التي تعمل من دون جهد أو كلل" مستطردا:" إننا نتعاقد مع العاملين لدينا بواسطة الكمبيوتر، وهم يعملون لدينا بالكمبيوتر ويطردون من العمل بواسطة الكمبيوتر أيضاً.. ولعله تجدر الإشارة إلى أن الأمر يستوي بالنسبة لنا في أي مكان من هذه المعمورة يسكنون، وجل هؤلاء احتياطي يمكن الاستغناء عنه عند إعادة التنظيم".(انتهى الاقتباس)
هذا المانيفستو يلخص ببساطة أن الرأسمالية في هذه المرحلة تسيطر على اقتصاد العالم ككل في كل مكان وطيلة الوقت، هكذا بدم بارد وصلافة وبوقاحة منقطعة النظير يعلن أباطرة النيوليبرالية أنهم يشكلون العالم ويفرضون نمطاً من الواقع هو تدويل الإنتاج، وتركز الإنتاج والرأسمال بيد أقلية الأقلية، وعولمة الثقافة أو ذوبان الثقافات أو التبعية الثقافية، وتعميم ما وصف بأنه "عولمة الفقر".
وانساقت بعض النخب العربية الليبرالية إلى تسويق الأيديولوجية الليبرالية بوصفها النموذج الفكري الوحيد والتي ترتكز على "الحرية"، وكأن الحرية حكراً على هذه الفلسفة أو الأيديولوجية، وليست قيمة من قيم البشرية الكبرى، وهي حسب اعتقادهم حركة تحرير مطلقة باعثها هو تقدير حرية الشخص ذاته، وهذا يخرج مفهوم الحرية من سياقها التاريخي لدى الفكر الرأسمالي، حيث كان يعني تحرير الأقنان من الإقطاع عندما كان عائقاً يعترض حراك القوة البشرية وانتقالها من الحقل / القرية إلى المصنع / المدينة، وبذا جرى توظيف القيمة البشرية الكبرى "الحرية" في استغلال بطريقة مغايرة.
وبلغ إيمان هذه النخب الليبرالية وانبهارها وتقديسها لليبرالية حد المناداة بإدخالها وفرضها في دولنا ولو على ظهر دبابة أمريكية، باعتبارها مطلق ثقافي يعلو على كل المذاهب والرؤى، وهو الخلاصة والتتويج النهائي لمسيرة الوعي والفعل البشريين، ورغم أنهم يعترفون أحياناً أنها ليست عالماً نزيهاً له طقوسه المثالية، ولكنهم يرجعون الخلل إلى التطبيق والممارسة، دون أدنى تفكير في احتمال أن يكون الخطأ آتياً من النظرية نفسها، بينما لا ينظرون إلى الماركسية من منطلق نفس الاحتمالات ويرجعون الإخفاق إلى النظرية وليس إلى التطبيق والممارسة، في عجز تام عن تحليل الواقع العربي وفهم شرطه الثقافي والتاريخي.
لكن وبغض النظر عن التفاصيل فإن هذا الصلف لم يدرأ الرأسمالية ومرحلتها النيوليبرالية عن التهاوي في أسوأ وأعمق أزمة اقتصادية في تاريخ النظام الرأسمالي في العام 2008، كما أنها لم تدرك بمحاولاتها أنها لا تستطيع فرض نسق ثقافي ملزم يجب أن يعولم ويسود كل المجتمعات بغض النظر عن خصوصياتها الثقافية، بل أججت الكراهية والحقد ضد الولايات المتحدة بالذات وضد السياسات النيوليبرالية التي أفقرت الشعوب بشكل عام، وظهر ذلك بشكل جلي عند كل الشعوب في الغرب والشرق والشمال والجنوب، وأعادت إحياء ثقافة التحرر من أشكال التبعية وخلق حركة تحرر عالمي ذات محتوى طبقي وتقدمي، ونهوض يساري لا تخطئه العين.
بل وصلت حركات الاحتجاج المعاصرة ذات النفس اليساري إلى قلب الدول الرأسمالية الكبرى، مثل حركة "احتلوا وول ستريت" في الولايات المتحدة، وحركة "الغاضبون" في إسبانيا، فالنضال ضد الرأسمالية بعد سقوط الاتحاد السوفييتي لم يعد نضال معارضين خارج السلطات، ولم تعد مجرد تنظير حالم أو مجرد، بل أن نحو نصف دول أمريكا اللاتينية اليوم تحكمها أطياف مختلفة من اليسار، وتشمل ثلاث دول على الأقل تدعي صراحة إلى السعي لبناء الاشتراكية، وهي فنزويلا وبوليفيا والإكوادور إضافة إلى كوبا.
الثقافة الاستهلاكية وترويج وهم التماثل
لا تستطيع الرأسمالية تحقيق هدفها الأسمى وهو الربح وتعاظمه، إلا بوجود أسواق كلما كانت مفتوحة كلما أجزلت بالعطاء، كما يتطلب ذلك وجود مشتري ومستهلك، ويتطلب إغراءات ودعاية وتسويق، وتزيين الاقتناء للبضاعة وتشجيع الثقافة الاستهلاكية وخاصة في الدول التابعة.
كل اختراع أو اكتشاف جديد ومتطور، يزيد من أرباح الرأسمالي ومنضمنه تطوير وسائل الإنتاج وأدوات العمل للوصول إلى أرباح أكثر، فلم يعد الرأسمالي مثلاً يذهب بنفسه لبيع منتوجه في السوق كما كان في وقت الإنتاج السلعي البسيط، بل أصبح يستخدم تطور وسائل الاتصال مثل البرق والهاتف مروراً بالفاكس إلى الانترنت وصولاً إلى المحادثة المرئية (سكايب – ماسنجر..الخ لعقد الاجتماعات والصفقات، فلا يضطر الرأسمالي الأمريكي مثلاً للسفر إلى اليابان أو إلى أي دولة في العالم مهما بعدت لبيع منتجاته، لكنه يستخدم أحدث المكتشفات ووسائل التكنولوجيا ليبيع هذه المنتجات.
فأصبحت الرأسمالية بعد تركز وسائل الإنتاج في يدها وتمركز رؤوس الأموال، تشتري كل شيء يدر عليها الأرباح بما في ذلك العقول والعلماء والمخترعين، فلا مانع لديها من استثمار أموالها من أجل توسيع وتطوير الرأسمال الثابت، مثل الآلات والأراضي ما دام ذلك يأتيها بمزيد من الأرباح، فهي لم تعد تعتمد على قوة العمل العضلية لتحقيق الأرباح من فائض القيمة فقط وبل وقوة العمل الذهنية أيضاً.
ويدعي الليبراليون أن التقدم التكنولوجي "الذي يعتبر فضيلة الرأسمالية"، خلق رخاءً عاماً بين البشر، متجاهلين حقيقة أن المجتمع الرأسمالي مجتمع طبقي، يتميز بتناقض رئيسي بين رأس المال والعمل، أي بين الإنتاج الاجتماعي والتملك الفردي، كما أن أي طبقة تتعين من موقعها في وسائل الإنتاج، فالبرجوازية هي مالكة لوسائل الإنتاج والطبقة العاملة ومجمل العاملين بأجر يبيعون قوة عملهم التي لا يملكون سواها، بغض النظر عن مستواهم المعيشي أو مداخيلهم فهي تبقى طبقة عاملة لا تملك وسائل الإنتاج، بل ومعزولة ومغتربة عما تنتجه، فامتلاكها لأجهزة ووسائل الكترونية مثلها مثل البرجوازية لا يعني أنها أصبحت متماثلة معها، أو لم يعد بينها وبين البرجوازية فوارق طبقية. ويقول الباحث البحريني الدكتور نادر كاظم في كتابه "إنقاذ الأمل":" أصبح الجهاز الإنتاجي قادراً على إنتاج كميات هائلة جداً من السلع والخيرات وبأسعار رخيصة وفي متناول الفئات العريضة داخل المجتمع بما في ذلك العمال أنفسهم، وأصبحت قادرة على خلق حالة من الرضا بين هذه الفئات، بل وأكثر من هذا، أصبحت قادرة على خلق "وهم التماثل" بين الجميع، الأمر الذي يعني انعدام التفاوت الطبقي وزوال الطبقات، بتوفير كميات هائلة من "الخيرات" المصممة للتمتع الفردي بحيث صارت في متناول جميع الطبقات، البرجوازية والعمالية سواء بسواء.
وبلغت قدرة هذه الدول (البرجوازية) على خلق حالة من الرضا على مستويات متقدمة بسبب تطور وسائل الإعلام التي هي بالدرجة الأساس "وسائل لصناعة الرضا أو وسائل لصناعة القبول"، لأن هذه الوسائل تحولت من وسائل إعلام تنقل الخبر بحيادية إلى وسائل دعم أيديولوجي تخدم وتقوم بالدعاية والترويج بالنيابة عن المصالح المجتمعية القوية التي تتحكم بها وتمولها، بتعبير آخر فإن الوضع سيء لكن الناس لا تشعر بأنه سيء" (انتهى الاقتباس)، ومن الناحية الاجتماعية تقوم الدولة بنشر مشاعر الازدهار الشامل بين مختلف شرائح المجتمع من خلال الدفع وتفعيل الطاقة الشرائية للسكان، مما يساعد على توسيع وتعزيز نطاق السوق الداخلية، وهو الأمر الذي يزيد من حيوية رأس المال وينمي الثروة.
وهناك الكثير من وسائل الرخاء الزائف التي تستخدمها الرأسمالية مثل بطاقات اليانصيب التي ربما يحالف أحدهم الحظ فيفوز فجأة بملايين الدولارات أو اليورو، ولكنها في الواقع تمتص مدخراتهم، وتعبث في سيكلوجياتهم وتبعث الأمل في وهم الثراء السريع.
وهنا نتساءل لماذا رغم هذا الرخاء الزائف والتماثل الظاهري وحالة الرضا بين العمال والفئات الشعبية المهمشة، تثور الشعوب على أنظمتها؟ فالعامل والإنسان البسيط يخرج إلى الشارع وبيده جهاز هاتف نقال حديث متحدياً آلة القتل والتنكيل في غضب مكبوت تراكم وتأجل لأسباب عديدة منها هذا الرخاء والتماثل الزائفين، لماذا يواجه الشعب التركي قنابل الغاز والفلفل، وقد استطاع النظام الإسلامي الرأسمالي الطبقي في تركيا خلق حالة انتعاش اقتصادي، وجعل من تركيا دولة سياحية من الدرجة الأولى؟ ولماذا تنتفض الشعوب الخليجية التي تم الإيحاء للشعوب الأخرى أنها تعيش في وضع معيشي مثالي؟ رغم أن أفراد الحراك وأفراد السلطة يمتلكون نفس الأجهزة التكنولوجية والسيارات الفخمة ويشاهدون نفس البرامج على الفضائيات، ولماذا خرج مئات الآلاف من الكويتيين "المرفهين" في الشارع عزّلاً يواجهون القمع والهراوات والقنابل الصوتية والغازية والرصاص المطاطي، ويتعرضون للاعتقال والسجن والملاحقة والمحاكمات السياسية؟
صدام الحضارات ونهاية التاريخ
من نافل القول أن مقولة "الرأسمالية وفكرها الليبرالي هي نهاية التاريخ" قد سقطت بدوي هائل، وإن نظرية "صراع أو صدام الحضارات" قد تم فضح بعدها الاستعلائي من خلال محاولة إثبات تفوق الغرب على الشرق والشمال على الجنوب، والتي تلقفها المثقفون الليبراليون العرب على أنها مسلمات.
فعندما أطلق "صاموئيل هانتغتون" نظريته حول صراع الحضارات عام 1993، كان يريد أن يقول: أن سقوط التجربة السوفييتية وانتهاء الحرب الباردة يثبت بما لا يدع مجال للشك التفوق والهيمنة الغربية على العالم، وأن تحول النزاع سيكون ما بين الشعوب التي تنتمي إلى حضارات مختلفة والتي ستكون تابعة للغرب بصفته صانعاً ومحركاً للتاريخ، وهو بتعمد ووضوح لا يضع إسرائيل ضمن الشرق المتخلف والتابع بل يصنفها ضمن الأيديولوجية الغربية المتقدمة.
وحتى في معرض حديثه عن الحضارات الثانوية الإسلامية أعطى الغطاء النظري للنيوليبرالية لإشعال الصراع بين السنة والشيعة أو بين الأديان، في محاولة لصرف النظر عن الصراع العربي الإسرائيلي وإنهاك الدول العربية وتفتيتها لصالح التفوق الإسرائيلي في المعادلة الإقليمية.
كما أن المثقفين الليبراليين العرب المبهورين بالتفوق الأمريكي الغربي، وجدوا في نظرية فوكوياما "نهاية التاريخ" ضالتهم النظرية، رغم أن فوكاياما نفسه تراجع عن نظريته إضافة إلى أن الحياة لم تزكها خاصة بعد الأزمة الاقتصادية الرأسمالية البنيوية منذ 2008، فأصبح هؤلاء المثقفون في حالة انفصام عن الواقع، بينما حصرت الجماعات التقليدية والإسلامية الصراع "بين الحضارتين الإسلامية والغربية"، وهذا لا ينطبق على الجميع بل أن هناك أطرافاً وتنظيمات إسلامية تتبنى السياسة الاقتصادية النيوليبرالية في تناقض ثنائية الدنيوي والآخروي، ولعل التصويت على قانون الخصخصة في مجلس الأمة الكويتي في العام 2010 ما يؤكد ذلك، حيث صوتت مع الخصخصة وبيع قطاع الدولة بالكامل للقطاع الخاص بما فيها الخدمات الصحية والتعليمية وثروة البلاد الرئيسية "النفط" في المداولة الأولى، القوى الليبرالية والإسلامية السنية والشيعية، ورفضه نواب ليبراليون وإسلاميون سنة وشيعة، مما يثبت أن المجتمع الكويتي بكافة طوائفه ومكوناته ينقسم طبقياً وليس طولياً، رغم كل المحاولات لإثبات وترويج عكس ذلك.
إن نظريتي صراع الحضارات ونهاية التاريخ والأيديولوجيات تهدفان للترويج للهيمنة الرأسمالية والنيوليبرالية، وطمس التناقضات الاقتصادية والطبقية حتى داخل الغرب نفسه، وهاتان النظريتان أدخلتا المثقف الليبرالي العربي في وهم الصراع الثقافي الافتراضي مع الديني وتخليه عن قضايا أساسية مثل الفقر وتوزيع الدخل والبطالة وتدني التعليم والتخطيط والتنمية وتدهور الإنتاج الزراعي والصناعي والخدمات وتنويع مصادر الدخل.
واستنسخت النخب الثقافية الليبرالية العربية الأفكار الغربية حول ديمقراطية إسرائيل وحتمية تفوق النموذج الغربي، وأن مشكلة المجتمعات العربية هي ثقافية بالأساس، واستبعدوا الصراع من أجل المصالح الاقتصادية والهيمنة السياسية والثقافية.
كانت نظرية صراع أو صدام الحضارات بمثابة رسالة ترويجية دعائية لإنهاء الصراع الأيديولوجي أي انتهاء الصراع بين الفكر الاشتراكي والرأسمالي، وتفوق الفكر الرأسمالي بالضربة القاضية، وسيتحول الصراع إلى مجموعات تنتمي إلى حضارات مختلفة ستحاول "اللحاق بالعالم الرأسمالي المتقدم"، وإن النزاعات الكبرى ستجري على خطوط التماس الثقافية التي تفصل بين حضارة وأخرى.
فالصراع بين حضارتين ثانويتين في إطار الحضارة الإسلامية الواحدة، سيخفي ويؤجل الصدام مع الحركة الصهيونية التي تعتبر جزءاً من الأيديولوجية والحضارة الغربية، كما أنه سيضعف الدول العربية مما يفسح المجال لنهب ثرواتها الهائلة من النفط والغاز، فعملية تفتيت الشرق العربي لا تحتاج سوى إشعال صدام داخلي فيه، فعبر تقسيم العراق وسوريا والسودان ولبنان، وإيجاد مجموعات مسلحة ومتطرفة وطائفية تابعة "لحضارات ثانوية" مثل الشيعة والسنة والمسلمين والمسيحيين تتبع هذه الأطراف، من شأنها أن تُدخل المنطقة في دوامة مفرغة من الدمار، وبما أن معظمها دول مجاورة لفلسطين فإن القوى المضادة تأمل في التخلص من إمكانية حدوث أي نهضة أو وحدة بينها، وهو ما سيشكل خطراً على استمرار هيمنة إسرائيل كطرف أقوى في المعادلة الإقليمية، ووضعت الشعوب في موقع الدفاع عن العربي والإسلامي لصرف النظر عن الصراع الطبقي.
لكن هل استطاعت هذه النظرية الليبرالية تجاهل وإنكار التناقضات الاقتصادية والطبقية الموجودة داخل الغرب نفسه، والتي أدت في نهاية الأمر إلى انهيار اقتصادي بدوي هائل؟
ثقافة الأنا "الفردانية"
هناك مغزى ثابت لليبرالية بصفتها مفهوماً فلسفياً وأيديولوجياً، يتمثل في كل ما يرمز إلى التحرر، واقترن المبدأ منذ البداية بمفهومه الاقتصادي أي حرية الأسواق والتملك ورفض أي تدخل من قبل الدولة وتخطيطها، وقبول اقتصاد تحكمه قيم منبثقة عن حرية التملك والإدارة واستخدام رؤوس الأموال، وما على الدولة سوى القيام بدور المنظم والمشرف والضامن للأمن ومفهوم الحرية ذاته، كما أن تحرير رأس المال يؤدي إلى اختزال مفهوم الأفراد في بعد واحد يتمثل في الاندفاع اللامحدود للفرد نحو حرية الاستهلاك كيفما كان نوعه.
وتضفي الليبرالية صفة الفردية والنسبية على القيم والمبادئ الأخلاقية وهذا يجعل الوضع الاقتصادي للفرد وقدرته الشرائية من بين أهم وأكثر القيم اعتباراً وتقديراً من الناحية الاجتماعية، فالعاطل عن العمل منبوذ والتبعية للمصارف تؤدي إلى تمكين رأس المال من السيطرة على الفرد وامتصاصه، أما التقاعد أو الإنسان المتقاعد عن العمل فلا أهمية ولا تقدير له، فكل الدعايات الاستهلاكية موجهة إلى شريحة الشباب والكهول الذين هم في سن الإنتاج والاستهلاك، بل توجد كتابات جدية حول توسع هدف الإعلانات التجارية لتشمل الأطفال، وبذا يصبح المعاقون والمسنون على هامش الواقع الاجتماعي ويعيشون على المساعدات والصدقات التي يقدمها لهم هذا النظام أو الجمعيات الخيرية التطوعية.
واستعادت الليبرالية الجديدة "النيوليبرالية" بعض مفاهيم الليبرالية التقليدية، مثل أهمية الفرد والحد من دور وتدخل الدولة والسوق الحرة، فمن بين مظاهر الفكر الليبرالي ظهور مواطن انعزالي يتميز بدرجة عالية من الذاتية والبراغماتية، ينطلق من وحي ابتلاع الآخر مادياً واجتماعياً.
وفي ظل العولمة يصبح الفرد مسؤول عن تخلفه وعن فقره، فالنيوليبرالية تعزو ذلك إلى طبيعة التفكير كالقول بأن الثقافة هي سبب التخلف، وكذلك افتقار أو انعدام روح المبادرة.
ف"الأنا والآخر" هي ذاتها ثنائية العولمة "المركز والطرف"، فالأنا هي المركز والآخر هو الطرف المتخلف أو "المنهوب" بمعنى آخر، بل أن إنقاذ الآخر وتحريره من تخلفه، تبدو من الناحية الشكلية شهامة من خلال تقديم الدعم بواسطة "برامج مساعدة التنمية" واستخدام منظمات الأنا كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، ولكنها في جوهرها أسلوب آخر في امتصاص آخر قطرة من دماء الآخر المتخلف والفقير.
فمنطق النيوليبرالية يقول:" نحن أغنياء لأن ثقافتنا تدفع وتشجع على ذلك، وهم فقراء لأن ثقافتهم لا تسمح لهم بالتقدم، وبناء عليه فإذا كان الازدهار مرهوناً بالثقافة فالتخلف نتيجة لها أيضاً، والمحصلة النهائية التي تترتب على ذلك هي بكل وضوح: أن الدول النامية لا مفر لها من العولمة، فنتائج النيوليبرالية وأصدائها على العولمة تتعدى حدود الاقتصاد والسياسة إلى عولمة الثقافة، وهي ثقافة الأنا وفرضها على الآخر، لأنها الوحيدة الكفيلة بالمبادرة والتقدم والازدهار والحرية.
وحتى في رفض الليبرالية للموروث ليس من منطلق نقده والانطلاق منه إلى الجديد، ولكنه برفضه عن طريق نسفه والتحرر منه، لأنه يرى المشكلة تبدأ وتنتهي بالثقافة التي يعتبرها سبب تخلف أو تقدم البشر.
والليبرالية تجعل الفرد هو مصدر القيم الأخلاقية وتبرز الصلة بين هذه القيم والمصالح الشخصية، أي عدم ثبوت القيم الأخلاقية التي تتبدل حسب المصلحة والضرورة، فمصدر قيم الخير والشر هو الفرد، والأفعال الحسنة والخبيثة الفرد هو مصدر معاييرها، أي أن الفرد الليبرالي هو مصدر القيم الأخلاقية الذاتية.
ولذا يرى الليبرالي البرجوازي قوته في ذاته، بينما يرى العامل قوته في مجموع ووحدة العمال وتضامنهم الكفاحي.
تشجيع الشكلانية في الإبداع
عند الرأسمالية كل شيء يتحول إلى سلعة ذات قيمة تبادلية، بما فيها قوة عمل الإنسان العضلية والذهنية، فإذا كانت اللوحة التشكيلية والقطعة الأدبية أو الموسيقى لا تأتي بالمال والربح من ورائها فلا فائدة منها.
لكنها من جانب آخر تحارب إبداعات الواقعية الاجتماعية، التي تعكس هموم الإنسان والمجتمع وتفضح الاستغلال الرأسمالي للبشر، فكلما كان الإبداع بعيداً عن هموم الناس كان أفضل بالنسبة لها، رغم عدم تقديرها بشكل عام للأدب والفن في حد ذاتهما.
وهذا ينطبق على الإنتاج التلفزيوني من مسلسلات تركية ومكسيكية وحتى عربية، التي تصل في عدد حلقاتها إلى المئات دون مغزى يذكر سوى زيادة عدد المشاهدين، فإذا كانت الرواية يمكن تحويلها إلى فلم سينمائي يدر الملايين على شركات الإنتاج في هوليود، أصبحت لها قيمة تبادلية بالنسبة للرأسمالية.
ومن هذا المنطلق شجعت الإبداعات الشكلانية والمدارس التي تدافع عن الفن من أجل الفن، والتي ليست لها قيمة اجتماعية إضافة إلى الجمالية، فاستحضرت المدرسة الشكلانية التي نشأت في روسيا في القرن التاسع عشر، وشجعت كل الآداب والفنون العبثية على اعتبار حرية الفنان وذاته الإبداعية.
وقدس الليبراليون العرب هذا التوجه ودافعوا عنه، أمثال طه حسين وعباس محمود العقاد المعجبين بالثقافة الأوربية ويجدان فيها النموذج المكتمل الذي يجب أن ينقل ويطبق في مجتمعاتنا العربية، وخرجت علينا نصوص أدبية تشبه الكلمات المتقاطعة على اعتبار أنها إبداع، ولكنها في واقع الأمر تعكس قلة الموهبة وتساعد المبدع على الهروب من مسؤولياته الاجتماعية والتزامه أمام القارئ، وحتى تبرر توجهها العبثي الذي تسميه إبداعاً اتهمت القارئ بالتخلف، وإلى ضرورة تحرر النص من سلطته ومن سلطة الناقد، فليس مهماً أن يفهم المتلقي هذا النص الأدبي أو الشعري، المهم أن يتذوق جمال المفردات الغامضة والصياغات التعجيزية في تعالٍ سافر على الإنسان المتلقي، وهذا انطبق على بعض ما يسمى بالفن الحديث في الفنون التشكيلية حيث لطخات الألوان العشوائية، أو عرضها خالية إلا من نقطة أو ممزقة بالسكين على اعتبار أن ذلك فناً يتمرد على التقليدية ويقطع الصلة بها بدلاً من أن يكون تطوراً طبيعياً لها.
وفي المقابل أيضاً انحرف الطرف الآخر عن مفهوم الإبداع، فإضافة إلى تسميات مثل أدب المقاومة والواقعية الاشتراكية التي أطلقها أول مرة مكسيم غوركي، والواقعية الجديدة والأدب الطليعي والأدب الثوري، خرجت نتاجات إبداعية خالية من الجمال بل هي أقرب للمنشور السياسي، دون وعي حقيقي لجدلية الشكل والمضمون، فتم التركيز على المضمون وأُهمل الشكل.
لكن المثقفين المناضلين التقدميين العرب استطاعوا بوعيهم مواجهة الثقافة التي كان يدافع عنها الليبراليون، فكتب محمود أمين العالم وعبد العظيم أنيس مقالات اعتبرت أولى المعارك الفكرية بين التقدميين والليبراليين على صفحات جريدة "المصري" و"الجمهورية" ومجلة "الغد"، جمعت لاحقاً بكتاب "في الثقافة المصرية" الذي صدر أول مرة عام 1955، وشارك حسين مروة في هذه المعارك عبر مجلة "الثقافة الوطنية" ما بين أعوام 1953 إلى 1959، جمع منها في كتابه "قضايا أدبية"، وهذه الريادات في تناول القضايا الأدبية والفكرية هي التي أسست لمفاهيم أولية للنقد الأدبي من منطلق الفكر المادي الجدلي، التي بشر بها التقدميون العرب في السودان وسوريا والعراق في نفس الوقت، وفي دول الخليج احتدمت هذه المعارك متأخرة في ثمانينيات القرن الماضي، لعل أبرزها ما كتب بالصحف البحرينية وشارك بها مثقفون وأدباء كويتيون، حيث كان كل من الشاعر المناضل أحمد الشملان والأديب عبدالله خليفة وفوزية رشيد وغيرهم يقودون معركة الواقعية ضد الشكلانية التي كان ينادي بها الشاعر الكبير قاسم حداد والقاص الكبير أمين صالح وغيرهما، ولكن الواقعيين الخليجيين ارتكبوا نفس الفهم الميكانيكي والجامد عند المفكرين الرواد العرب في خمسينيات القرن الماضي، وهذا يعكس الجمود الفكري والفهم الميكانيكي للنظرية الماركسية وتطبيقاتها كمنهج ومرشد.
إلا أن المفكرين التقدميين العرب، صححوا من نظرتهم الحماسية الجامدة للأدب والفن من خلال تطوير أدواتهم النقدية وبنقد ذاتي مسؤول، لا تجده سوى عند المناضل المخلص والدؤوب على تجديد فهمه وعمله، وهذا يتطلب شجاعة وعقل مفتوح وخلاق، "وهنا نرى المفاهيم تغادر عموميتها، لنرى تجلياتها عبر النسيج الداخلي للعمل الفني..ويصير الاهتمام بالفني أكثر بروزاً" حيث يؤكد حسين مروة بوضوح وحسم وجرأة: "تلك مرحلة نود أن نقول أننا تحررنا من فهمنا الميكانيكي فيها لعلاقة الأدب والفن بالعالم المادي" ويضيف على لسان دكروب: "أكتب النقد بطريقة جديدة، تختلف عن الطريقة التي كتبت بها فصول كتاب "دراسات نقدية"، لكن الاختلاف لن يمس المنهج ذاته، فإنني أزداد ثقة وارتباطاً به كلما ازددت انتفاعاً بتجارب الأيام وبالممارسات الثقافية: الأدبية والفكرية"، ولنتذكر أن لينين نفسه كان معجباً بشعر الأرستقراطي النبيل بوشكين ويكره شعر الثوري الذي سمّاه ستالين شاعر الثورة مايكوفسكي.
هذه هي روحية المناضل المثقف الواعي لدوره ومسؤولياته، وما ينطبق على الأفراد يجب أن ينطبق على قوى وأحزاب اليسار.
الكتابة شكل من أشكال الممارسة الكفاحية
هذا العنوان المستوحى من كتابات محمد دكروب، هو الجواب على كيف يواجه اليسار النيوليبرالية في مجال الثقافة، رغم أني وضعت في ثنايا هذه الورقة بعض أشكال الكفاح ضد الثقافة الليبرالية والنيوليبرالية، لكن قبل عزل هذا الموضوع عن سياقه العام يجب على قوى وأحزاب اليسار التوقف أمام تجربتها التاريخية وقفة تحليلية نقدية، والتخلص من تداعيات انهيار تجربة التطبيق للاشتراكية النفسية عليها، وتبني سياسة هجومية بدلاً من السياسة الدفاعية والتبريرية، فالانتماء الفكري وبالأخص التقدمي ليس شيئاً يخجل منه الإنسان أو يعتذر عنه.
يحتاج اليسار في ظل الانتفاضات والثورات العربية وحركة التحرر العالمي، إلى إعادة ثقة الجماهير به وبدوره ومكانته، فالثورات العربية التي وصفت بأنها شبابية وتكنولوجية، كان القصد من ذلك تهميش دور الأحزاب التي أعطت الذريعة بتأخرها عن انتفاضات الجماهير، فبدلاً من أن تكون مستعدة لنضوج الظروف الموضوعية في بلدانها والذي لا تخطئه الحواس، وتطور أساليبها في التوعية والتعبئة، تركت الأمر للشباب لتولي الراية حيث أنهم قد يمتلكون الحماسة لكنهم لا يمتلكون الرؤية ولا المشروع الذي تحمله أحزاب اليسار لعقود طويلة، دون أن نغفل ما تعرضت له الأحزاب من تنكيل وقمع على مدى تاريخها.
وحتى عندما حاولت الانغماس في حركة الجماهير وهو ميدان نضالها الأساسي، تصرفت بنفس الأساليب التقليدية وبنفس الخطاب والمصطلح الملتبس الذي لا تفهمه الجماهير، وحتى لا نكون متعسفين في رأينا نقول أننا لاحظنا أن هذه الأحزاب اليسارية والتقدمية التي تشارك بالثورات قد تمرست على أرض الواقع، بينما الشباب المتحمس ترك الميادين وترك الثمار ليقطفها الإسلام السياسي، لأن المحرك الأساسي للجماهير في غياب التوعية والتعبئة، كان المزاج الجماهيري وليس الوعي الجماهيري، والتوعية والتعبئة تحتاج لثقافة نضالية دؤوبه من أجل تغيير موازين القوى لصالح الجماهير وقضاياهم ولصالح قضية التقدم ذاتها.
وحتى محاولات التجديد في عمل أحزاب اليسار كانت بنفس الأفكار والتقاليد الثورية الموروثة، بل أن كثير من قيادات وكوادر بعضها لم تتغير، ولم تجدد نفسها بالعناصر الشابة المؤهلة ذات التربية الحزبية السليمة.
يحتاج اليسار للإنتاج المعرفي والفكري والنقدي حول مستجدات العصر، التي تبدلت منذ أكثر من عشرين عاماً، والتعامل المبدع مع النظرية بصفتها "ماركسية بلا ضفاف" على حد تعبير سمير أمين، يحتاج اليسار إلى الأسئلة أكثر مما يحتاج إلى الإجابات الجاهزة والمعلبة أو المقولبة، والانطلاق من الواقع إلى النظرية وليس العكس حسب خصوصية المجتمعات وواقعها وظروفها الموضوعية والذاتية.
إن التصدي للامبريالية وسياساتها النيوليبرالية، يحتاج إلى توسيع الجبهات من أجل تغيير موازين القوى، كما تفعل الامبريالية ذاتها التي تبني جبهات لتقاسم النفوذ بالعالم والسيطرة عليه، فالعلة في تشظي اليسار وتناحر التنظيمات سواء على مستوى البلد الواحد أو على مستوى بلداننا العربية أو على المستوى الأممي، كما يتطلب الأمر التوقف عن فرض تحليلاتنا ورؤيتنا ووصايتنا على واقع المجتمعات الأخرى، فالشعوب وقواها الحية والتقدمية أدرى بواقعها، وعلينا أن نستمع إلى تحليلاتها وظروف نضالها ونتعلم من تجاربها، والتركيز على قضايانا الوطنية وصراعنا الرئيسي في كل مجتمع من مجتمعاتنا.
كما أن مواجهة الامبريالية يتطلب الفضح وكشف حقيقتها للجماهير استناداً إلى التحليل الطبقي العلمي، من خلال المقالة والدراسة والبحث والندوات الفكرية والثقافية، بدلاً من الاستناد إلى التحليل السياسي الجاهز، الذي قد يكون نتاج مشاعرنا وعواطفنا وأفكارنا المسبقة.
مراجع ومصادر
1-فخ العولمة "الاعتداء على الديمقراطية والرفاهية"-هانس بيتر مارتن وهارالد شومان-عالم المعرفة العدد 238 أكتوبر 1998-الكويت.
2-مجلة الطريق-العدد الثالث-ربيع 2012.
3-الشرخ الأوسط الكبير: قراءة في نظرية صدام الحضارات-د. نهى خلف.
4-الليبرالية الجديدة والعولمة والثقافة-محمد المذكوري المعطاوي-صحيفة الحريات-13 يناير 2014.
5-من الليبرالية إلى النيوليبرالية-جيل دولستار-ترجمة: عادل الحاج سالم-21 أغسطس 2009.
6-ملامح خطاب النيوليبرالية العربية-د. الطيب بو عزة-19 يونيو 2007.
7-نقد الليبرالية-د. الطيب بوعزة.
8-إنقاذ الأمل " الطريق الطويل إلى الربيع العربي"-د. نادر كاظم-دار مسعى 2013-الكويت.