يبدو أن الحكومة ستحاول من جديد إقرار الاتفاقية الأمنية الخليجية التي تأجل إقرارها بداية العام الجاري نتيجة للضغط الشعبي القوي الرافض لها بسبب تعديها على الحريات العامة وتعارضها الصارخ مع الدستور والمواثيق الدولية. الاتفاقية، كما ذكرنا في مقال سابق، لم تشر، حتى مجرد إشارة، إلى الدستور في أي مادة من موادها، ولا يجوز تعديلها فإما أن تُرفض كاملة أو يُصدّق عليها فتصبح واجبة التطبيق على الفور.
أما الادعاء بأن المادة الأولى من الاتفاقية الأمنية تعتبر قيداً على نفاذ باقي مواد الاتفاقية كي لا تخالف الدستور والقوانين المعمول بها فهو ادعاء غير صحيح، فالمادة الأولى تتحدث، كما ذكرنا سابقا، عن التشريعات الوطنية فقط، أي القوانين المحلية المعمول بها في الدول الأطراف، ومن ضمنها، بالطبع، الاتفاقية الأمنية، التي ستصبح عند إقرارها من المجلس وتصديق سمو الأمير قانوناً محلياً نافذاً باعتباره واحداً من التشريعات الوطنية التي تشير إليها المادة الأولى من الاتفاقية، أضف إلى ذلك أنه سيكون قانونا خاصا، وهذا معناه أنه سيلغي جميع القوانين المحلية الأخرى المتعلقة بالحريات العامة التي صدرت قبله ومعمول بها حاليا، وسيُقيّد أي قانون لاحق يتناقض معه.
على هذا الأساس، فإن الموقف الشعبي والسياسي الرائع الرافض للاتفاقية الأمنية، والذي تشكّل قبل عدة أشهر، يجب أن يعود الآن وبالقوة ذاتها، فالموقف من الحريات العامة يجب أن يكون موقفاً مبدئياً، ناهيكم عن أن الاتفاقية تهم القوى الشعبية والسياسية كافة لأنها ستُطبق على الجميع، وأي قوى لا تتضرر منها الآن أو تدّعي أنها لا تعنيها في هذه المرحلة التاريخية سيأتيها الدور في المستقبل القريب.
الظروف الإقليمية المضطربة وغير المستقرة أو وجود تيارات التطرف والغلو والتخلف والإرهاب مثل تنظيم "داعش" وإخوانه لا يبرران إطلاقا إقرار اتفاقية أمنية إقليمية تخالف الدستور وتُقيد الحريات العامة، بل إن العكس هو الصحيح، حيث إن المحافظة على الحقوق والمكتسبات الدستورية وحمايتها، وفي مقدمتها الحريات العامة، مثل حرية الرأي والتعبير، تعتبر من الخطوات الضرورية للمحافظة على استقرار الجبهة الداخلية وتماسكها، وتقوية السياسة الخارجية كي تصبح مستعدة، وقادرة على مواجهة التحديات الإقليمية والعالمية.