الانتفاضة الثالثة والصمت العربي
يدور الجدل في الإعلام الأجنبي الناطق بالعربية BBC تحديداً حول ما يجري في فلسطين المحتلة الآن، هل هي انتفاضة شعبية ثالثة؟ أم حركة تمرد على سلطة الاحتلال ستخبو بعد أيام؟مَن يتابع الأحداث يعرف أن الهبة الشعبية الفلسطينية ضد سلطة الاحتلال الإسرائيلي وأدواته قد انطلقت وتصاعدت على غرار الانتفاضة الأولى ١٩٨٧، والثانية ٢٠٠، بعد أن تمادى الاحتلال في انتهاك المقدسات حينما اقتحمت عصاباته المسجد الأقصى، وحطمت نوافذه وأبوابه التاريخية، واستمراره في التوسع الاستيطاني وتهويد القدس وحصار غزة، واعتقال آلاف الشباب الفلسطينيين اعتقالاً إدارياً دون مسوّغ قانوني أو محاكمة عادلة، فضلاً عن تزايد اعتداءات المستوطنين اليهود على الشعب الفلسطيني، وقد رصد مركز المعلومات الوطني الفلسطيني ٢٨٢ حالة اعتداء خلال ثمانية أشهر فقط، كان أبشعها جريمة حرق بيت عائلة الدوابشة في الضفة الغربية دون أي ملاحقة جدية من قبل سلطة الاحتلال، التي تتعمد غض الطرف عن المعتدين على الفلسطينيين إن لم تشاركهم هي وتدفع بهم، مما يعكس حالة التواطؤ بين المحتل والمستوطنين، بينما نجدها تطارد المتهمين الفلسطينيين لمجرد الشك، وقد أعدمت سلطة الاحتلال أخيراً ثلاثة من الشبان الفلسطينيين بتهمة «المحاولة لتنفيذ عمليات ضد الجيش الإسرائيلي على الحواجز» (هم الشهداء: ضياء عبدالحليم، وهديل الهمشلون وفادي علوان) في حين نجدها تطلق سراح المتهمين بحرق عائلة الدوابشة بعد أقل من ٢٤ ساعة على اعتقالهم! فتخيلوا هذه العنصرية والازدواجية والتميّيز والظلم الذي يتعامل به الاحتلال مع الشعب الفسلطيني!.هذه الانتفاضة تكاد أن تنفرد بخصائص وظروف استثنائية في الصراع العربي الإسرائيلي، فقد تجسدت فيها الوحدة بين الشعب الفلسطيني، وهذا ما نلاحظه من خلال التناغم والتضامن الثوري بين الضفة الغربية والقدس وغزة والأراضي المحتلة في ١٩٤٨ (في الناصرة والجليل والطيبة ويافا) في الدعوة إلى الإضراب العام والمسيرات التضامنية، التي تبدد تقسيمات الاحتلال، متخذةً من أسلوب الطعن بالسكاكين والدهس والحجارة وسيلة في النضال، ولا شك في أن ورثة أوسلو في السلطة الفلسطينية قد شعروا بالإحباط والخيبة بعد أن فشلوا في احتواء الشارع الفلسطيني، فهم لا يريدون انتفاضة تقض مضجع الاحتلال الإسرائيلي، بل يريدون مفاوضات وتسويات وتنسيقاً أمنياً يُطمئنه!.لقد أفقدت الانتفاضة حكومة الاحتلال (نتنياهو) توازنها وأربكتها، وباتت تنشر أكاذيبها للرأي العام العالمي، وتطلق إرهابها في كل صوب، بعد أن اختزلت هبّة الشارع الفلسطيني برواية مضللة وهي «أن جماعة من البلطجية الإرهابيين يعتدون على المدنيين اليهود» مع أن المستوطنين ليسوا مدنيين مسالمين وعُزلاً كما تدعي هي، هم جماعات وظيفية مرتزقة تم تجنيدها وجلبها من قبل الحركة الصهيونية من مختلف دول العالم، ثم تم توطينها في فلسطين بعد تهجير الشعب الأصلي، ولكن يجب حماية الأطفال والشيوخ والمرضى من الاستهداف المشروع، فهؤلاء لا خيار لهم أو لا قدرة لديهم على الهجرة من فلسطين والعودة إلى دولهم.إن استمرار الحراك الفلسطيني المقاوم مرهون بوحدة الشعب الفلسطيني وتماسكه في الداخل والخارج والشتات، مع ضرورة توحد كل الفصائل الفلسطينية خلفه، بالإضافة إلى الدعم العربي الذي نفتقده اليوم، فعلى زمن عبدالناصر – كما يقول الشهيد المبدع ناجي العلي – كانت فلسطين وَشْماً على زنود الشباب.. في تلك الأيام كنت مجبراً على أن أرسمها بالحبر السري خوفاً من الاعتقال طبعاً، في الكويت مثلاً تم استدعاء الشباب المشاركين بوقفة «برافر لن يمر» للتحقيق، وفي الأردن تم اعتقال الشاب عبدالرحمن نجم وضربه أمام جيرانه، لأنه أحد العناصر الفاعلة في اعتصام «جك» الأسبوعي المطالب بإغلاق وكر الجواسيس (السفارة الإسرائيلية) في الرابية.. فالشعب الفلسطيني لا ينقصه رجال ولا نساء، فالصمود والشجاعة والتضحية مطبوعة فيه، لكن ينقصه العتاد والإمداد والسلاح، فهل يجرؤ نظام عربي واحد على تسليح المقاومة؟ هل هناك مَن يعقد مؤتمراً لأصدقاء فلسطين؟ أو مَن يجمع تبرعات؟ أو يُجهز غزاة ومجاهدين؟ أو يصدر فتوى للنفير العام ضد الاحتلال؟ألا تستحق دولة العدو عاصفة عربية إسلامية يتوزع فيها الدم الإسرائيلي على جميع أقطار العرب والمسلمين فتعجز عن الرد؟فلتكن الانتفاضة الفلسطينية الثالثة فرصة لتسوية الخلافات العربية، وإيقاف الحروب والصراعات الأهلية؛ كي تتوحد البنادق العربية المتقاتلة في أكثر من قطر على هدف واحد وهو صدر العدو.بقلم عضو التيار التقدمي أحمد الجاسمجريدة الطليعة۱٤ أكتوبر ٢۰۱٥