ما قلنا عنه تسريب في مقالنا السابق بعنوان «المصالحة الحقيقية»، أصبح معلومات تتداول حول لقاءات واتصالات تجريها بعض الشخصيات والمجاميع مع السلطة حول ما يسمى المصالحة، وهو مشروع قديم منذ العام 2013 لمن كانوا يسمون «جماعة المصالحة»، وهذه اللقاءات والتحركات تهدف إلى المصالحة بين السلطة والقوى السياسية المختلفة من أجل تخفيف حدة الاحتقان ونزع فتيل الأزمة السياسية العامة، التي تفاقمت بشكل كبير في الآونة الأخيرة على طريقة عفا الله عما سلف، أو كما يقال في بلاد الشام «تقبيل اللحى».
لسنا بالتأكيد مع التأزيم والتوتر وعدم الاستقرار في الحياة السياسية والعامة في بلدنا، بل يهمنا أن تكون هناك أجواء انفراج واستقرار للحياة السياسية، والتفرغ للبناء والتنمية المعطلة والاهتمام بأمن وأمان الوطن والمواطنين.
لكن هذه الأزمة أو الأزمات لم تأت من دعاة التأزيم أو المشاغبين أو المخربين كما يطلق عليهم، بل أتت بسبب تجاوز السلطة للدستور والعبث بمواده، والانفراد بالسلطة والقرار وتغييب الشعب عن مصيره واختياراته ومصالحه وأمواله المنهوبة، ومن المستحيل حل هذه الأزمة في ظل هذا النهج إذا تم الاستمرار فيه.
فالمصالحة الجادة تتحقق عندما تتراجع السلطة عن نهجها الذي خلق أزمة عامة والتي ازدادت عمقاً بالتعنت، فلا مجلس الصوت الواحد استطاع أن يسهم في حل الأزمة بل تعمقت بوجوده، ولا النهج القمعي والبوليسي وتقييد الحريات الشخصية والعامة والملاحقة السياسية وتلفيق الاتهامات استطاعت إخماد غضب الناس، بل نتج عن ذلك تقدم عدد من النواب بالاستقالة واستقالة وزيرين من الحكومة، وغيّر من كان يقف مع الانتخابات ضمن نظام الصوت الواحد موقفه بسبب من انسداد هذا الطريق، الذي يهدف إلى تفرد الحكومة بالقرار بوجود مجلس صوري وموالٍ، والدليل عدم قدرة السلطة على التعامل مع هذا المجلس وهو ما عكسته الاستقالات الجماعية.
والأزمة لا تنحصر بين الشعب والسلطة ولكنها تحتدم أيضاً بين أطراف النفوذ والسلطة ذاتها، وهي أزمة غير مسبوقة في عمقها، كما لا يمكن أن تكون هناك مصالحة وطنية بمعزل عن الشعب والتواصل معه وليس مع النُخب في إطار فوقي، وكأن الشعب غير معني بهكذا مصالحة وطنية.
هناك متطلبات مستحقة وملحة للمصالحة الوطنية، فإضافة إلى ضرورة تخلي السلطة عن نهجها بالانفراد في القرار، هناك ضرورة لإطلاق الحريات ووقف الملاحقات للنشطاء السياسيين والشباب المغردين، وإصدار قانون بالعفو العام من دون شرط على قضايا أمن الدولة، وضرورة ملاحقة الفاسدين واسترداد أموال الشعب المنهوبة بلا حسيب أو رقيب، وضرورة وجود إرادة لدى السلطة توافق إرادة الشعب بالعودة إلى دستور الحد الأدنى تمهيداً لتطويره، وعودة الأوضاع الانتخابية على ما كانت عليه قبل تفاقم الأزمة، تمهيداً لسن قانون انتخابي جديد بناء على نظام القوائم النسبية ضمن دائرة انتخابية واحدة، وقبل كل ذلك تشريع قانون لقيام حياة حزبية سليمة على أسس وطنية.
نحن نعرف أن هناك قوى سياسية في المعارضة وأطرافا مختلفة فيها، تريد المشاركة بالانتخابات بأي ثمن حتى لو كان الثمن بقاء الأسباب الحقيقية للأزمة، أو تقديم تنازلات حول المطالب الوطنية الأساسية للشعب، بل نعرف أن بعض أطراف هذه القوى قررت من داخلها خوض الانتخابات البرلمانية المقبلة بأي ثمن، حتى وإن كان التنازل عن المبادئ، والتغاضي عن فضائح الفساد والإفساد والسرقات من أجل كرسي البرلمان.
نحن مع المصالحة التي تلبي شروطا عادلة بحيث يقف الشعب والقوى السياسية والسلطة على أرضية واحدة، هي الإصلاح السياسي في البلاد وإقامة نظام ديموقراطي برلماني كامل وقانون انتخابي عادل، وتطبيق العدالة الاجتماعية الحقيقية وتكافؤ الفرص، ودون هذه المتطلبات فستؤدي المصالحة إلى أزمة جديدة تلد أزمات متوالية، وسيبقى الأمر «على طمام المرحوم».
| وليد الرجيب |
osbohatw@gmail.com
____________________________منقول عن جديرة الراي تاريخ ٣١/٦/٢٠١٤ العدد: ١٢٧٥٢