هذه ليست المرة الأولى، ولن تكون الأخيرة التي نتطرق فيها لأزمة البطالة بين الشباب، فالموضوع في منتهى الأهمية لأنه يتعلق بالثروة البشرية الوطنية التي تعتبر عمود التنمية الحقيقية، ومن المؤسف أن أزمة البطالة لا تلقى الاهتمام اللازم رسمياً وشعبياً، وذلك على الرغم من أن الأرقام الرسمية والبيانات والإحصاءات تُحذرنا منذ فترة ليست قصيرة من أن معدل البطالة بين الشباب الخريجين سيرتفع بشكل قياسي في السنوات القليلة القادمة، إذ إن هناك ما يقارب 26 ألف شاب قادمون إلى سوق العمل سنوياً، في حين أن فرص العمل المتوافرة سواء في الأجهزة الحكومية أو في القطاع الخاص لا تتناسب مع الطلب المتزايد باستمرار، لا سميا أن فئة الشباب هي النسبة الغالبة (أكثر من 65%) في مجتمعنا.
بالنسبة إلى الحكومة التي يفترض أن إيجاد فرص عمل للشباب يأتي في مقدمة أولوياتها، فإن وثيقتها الاقتصادية المستلة من خطتها "التنموية" تتبنى نماذج اقتصادية نيوليبرالية مُستهلَكة ينتج عنها عادة مشكلة البطالة، خصوصاً أنها تزعم أن الخصخصة هي الحل، وأن القطاع الخاص سيتولى قيادة ما تسميه "قاطرة التنمية"، مع العلم أن الواقع المحلي والتجارب العالمية يؤكدان عكس ذلك، فالقطاع الخاص المحلي قطاع ريعي، وعائلي احتكاري يعتاش على الإنفاق العام والدعم الحكومي السخي والمناقصات التي لا يستفيد منها الاقتصاد الحقيقي، ولا توفر فرص عمل جديدة للمواطنين. أضف إلى ذلك أن نسبة العمالة الوافدة في القطاع الخاص هي (96%) من إجمالي عدد موظفيه، وعادة ما يستغني عن العمالة الوطنية الموجود قبل الخصخصة مثلما حصل عند خصخصة محطات التزود بالوقود (البنزين). أما التجارب العالمية فتوضح أن مشكلة البطالة ملازمة للخصخصة، فالقطاع الخاص وبحكم طبيعة الملكية يعمل باستمرار على تقليل تكلفة الإنتاج، بأي طريقة كانت، من أجل تعظيم أرباحه وأول ضحية لذلك هو أغلى عناصر الإنتاج وهو العنصر البشري، لذا فإن الشركات الرأسمالية العملاقة عابرة الجنسية تُسرِف في استخدام الأجهزة الآلية التي تحِل محل الإنسان، وتبحث عن عمالة منخفضة الأجور خارج أوطانها وفي أي مكان في العالم.
إن تبني الحكومة للنماذج الاقتصادية النيوليبرالية المنحازة اجتماعياً والتي ترفع شعارا غير واقعي هو "الخصخصة هي الحل"!! جعلها تهمل إنشاء قطاعات جديدة منتجة، في الصناعات النفطية مثلا، بإمكانها فتح فرص عمل جديدة، بل على العكس من ذلك فإن الحكومة تنتوي تصفية القطاع التعاوني تدريجياً على الرغم من أنه مُلك للمساهمين، ونشاط اجتماعي-اقتصادي حيوي من الممكن أن يخدم المجتمع، ويوفر فرص عمل جديدة للعمالة الوطنية مما يخفف العبء عن الميزانية العامة للدولة.
أزمة البطالة قادمة لا محالة ما لم توضع سياسات اقتصادية جديدة وعادلة تختلف عما ورد في "الوثيقة الاقتصادية" للحكومة، والتي ووجهت برفض شعبي عام عبّر عنه معظم الناس بطرق وأشكال مختلفة.