البشرية لم تصل مرحلة الشيوعية
لا أعرف لماذا يُسمي البعض الاتحاد السوفياتي ودول أوروبا الشرقية الاشتراكية سابقاً بـ «الشيوعية»، ويزج بمناسبة أو من دونها بالشيوعية مع الليبرالية والإلحاد والتفسخ أو التحلل الأخلاقي، رغم ثقافة البعض وخلفيته الأكاديمية.ويبدو أن الأمر راجع إلى الثقافة العامة السائدة والدعاية الغربية والأميركية والصهيونية، ضد الأفكار التي طرحها كارل ماركس وزميله إنجلز حول تحليلهما في الفلسفة المادية الجدلية والتفسير المادي العلمي للتاريخ، التي تنبأ خلالهما الفيلسوفان بزوال الرأسمالية كمرحلة تاريخية لتأتي الشعوب بالبديل الاشتراكي كنظام انتقالي، يمتلك فيه الشعب العامل وسائل الإنتاج بدلاً من تملّكها من قبل حفنة قليلة من الرأسماليين.وحتى هذه اللحظة التي يسهل فيها الوصول إلى المعلومة والمصادر الأساسية لمعرفة هذه الفلسفة وهذه المبادئ بشكل عام، ما زالت تجربة تطبيق الاشتراكية في الاتحاد السوفياتي تسمى المرحلة «الشيوعية»، ويُحذر منها كبعبع ينشر الفساد والدماء والعنف ويصادر من دون وجه حق الأملاك الخاصة...الخ من خزعبلات القرن الماضي، بل يؤكد البعض بيقين أن الاشتراكية أو الشيوعية كما يحلو لهم تحارب الآداب والفنون.والواقع أن البشرية لم تبلغ مرحلة الشيوعية وهي الطور الأعلى للاشتراكية، وإنما مرت البشرية بتجربتين للاشتراكية الأولى كومونة باريس التي ثار وحكم فيها العمال في باريس عام 1871 لمدة شهرين، والثانية هي الثورة الاشتراكية في روسيا عام 1917 التي دامت ما يقارب السبعين عاماً.الأمر الآخر أنه في التشكيلة الاقتصادية الاجتماعية الاشتراكية التي تأتي بعد إسقاط الرأسمالية لا تُلغى الدولة وإنما تصبح بيد الشعب العامل، كما لا تُلغى الطبقات ولا تُلغى الملكية الخاصة، وإنما يحدث ذلك في المرحلة الشيوعية على المنظور البعيد جداً ضمن ظروف موضوعية دولية وذاتية داخلية، فالدولة في هذا الطور كما كتب إنجلز تضمحل وتتحلل ولا تلغى، كما يدير الشعب العامل كل مفاصل الحياة سواء المصانع أو الدفاع المسلح وغيرها، ولا يحتاج إلى جهاز يكون فوق المجتمع أو لقمع الطبقة المضادة، كما يصبح المجتمع لا طبقي.أما علاقة الاشتراكية والشيوعية بالدين والإلحاد فهي علاقة مُلتبسة عند الإنسان العادي بسبب الدعاية المضادة، فلم تدعو النظرية الماركسية للكفر بالأديان، وأما الجملة المجتزئة من رد طويل من ماركس على كتاب هيجل وهي «الدين أفيون الشعوب»، فقد أُخرجت من سياقها ولم تذكر أن ماركس كان يقول فيها ان الدين هو نفثة الإنسان المحروم وقوة روحية كبيرة للإنسان، و«دعونا من نقد اللاهوت إلى نقد السياسة ومن نقد الدين إلى نقد الاقتصاد»، ومعركتنا ليست مع من في السماء ولكن مع من في الأرض، ويقصد الرأسمالية التي تستغل العامل والفلاح والفقير، كما أن هناك رسالة طويلة من لينين قائد الثورة الاشتراكية موجهة إلى شعوب الشرق المسلمة في 7 ديسمبر 1917 قال فيها: «أيها المسلمون... أنتم يا من اُنتهكت حرمات مساجدكم وقبوركم، واُعتدي على عقائدكم وعاداتكم، وداس القياصرة الطغاة الروس على مقدساتكم، ستكون حرية عقائدكم وثقافتكم مكفولة منذ اليوم، لا يطغى عليها طاغٍ ولا يعتدي عليها معتد، هبوا إذاً وابنوا حياتكم القومية كيف شئتم، فحقوقكم تحميها الثورة...الخ»، ومن المعروف تاريخياً أن اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفياتي ضمت عدداً من القساوسة، كما ضم الحزب الشيوعي المصري العديد من مشايخ الأزهر ابتداء من عام 1922، ومنهم أسماء معروفة مثل الشيخ صفوان أبو الفتح والشيوخ علي خاطر ومصطفى عاصي والدكتور أحمد محمد خلف الله وغيرهم، وهذا انطبق على كل الأحزاب الماركسية في البلدان العربية.أما الليبرالية فهي فكر آخر تماماً قد يكون نقيضاً للفكر الاشتراكي، حيث تمثّل دول الولايات المتحدة وأوروبا وإسرائيل وغيرها هذا الفكر الليبرالي بل تحولت إلى النيوليبرالي (العولمة)، ففي كويت الخمسينات من كان يتعاون مع الحكومة للقبض على من يحملون الفكر الماركسي هم من الليبراليين القوميين، وقتها كانت الأحزاب السياسية الإسلامية ضعيفة نسبياً.أعتذر عن هذا الشرح المدرسي المبسط، ولكن كان لا بد من تصحيح موروث فكري خاطئ للنظرية الماركسية والاشتراكية والشيوعية، فهناك آراء مسبقة شعبية ساذجة، وهناك آراء مقصودة لحرف الناس عن قضاياها المعيشية وإبقائها في مستنقع التخلف.وليد الرجيبosbohatw@gmail.com
_____________________________
منقول عن جريدة الراي تاريخ 17\05\2014 العدد:12738