بين فترة وأخرى تطالعنا الأخبار بسرقات ذخيرة وأسلحة من مخازن الداخلية وفساد لبعض رجال الأمن، وآخرها خبر فقدان رشاشين وبندقية و22 مسدساً و800 طلقة من مخزن أسلحة القوات الخاصة، وهو أمر خطير خصوصا أنه يحدث ويتكرر في الوزارة المنوط بها أمن المواطن، والمنوط بها تخليص البلاد من السلاح المنتشر الذي يُستخدم في جرائم متعددة، وقد يكون لها في المستقبل تداعيات أخطر على السلم الأهلي.
فإن كان بعض رجال الأمن يسرقون السلاح من أكثر المخازن تحصيناً لبيعها على المواطنين ، فهذا يعطينا مؤشرات مقلقة لمستقبل بلادنا وأمن شعبنا، ويشي بأن الأزمة أعمق مما يتصور البعض الذين يلهجون بالدعاء ليل نهار بـ«الله لا يغير علينا»، مع أن التغيير سنة الحياة.والسرقة الأخيرة لكمية من الأسلحة والذخائر من مخازن القوات الخاصة، ليست حادثة شاذة أو معزولة عن كثير من مخالفات أمنية وقانونية لمنتسبي وزارة الداخلية وموظفيها، فمن سرقة شحنة خمور إلى تزوير آلاف الإقامات والاتجار بها، إلى سقوط بعض رجال الشرطة بحيازة مخدرات أو بعمليات لا أخلاقية، ومخالفات مرورية لبعض رجال المرور، أو انتهاكات لحقوق الإنسان من خلال التعذيب لانتزاع الاعترافات في المخافر، والتراخي إزاء الجرائم واستخدام الواسطات لتهريب المقبوض عليهم، وبيع رخص القيادة بالرشاوى وغيرها الكثير، تجعلنا كمواطنين نشعر بالتهديد من رجال الأمن أكثر من شعورنا بالخوف من المجرمين، بل تدفع بالمواطنين لحيازة السلاح للدفاع عن أنفسهم وعن أسرهم.وتلك الجرائم والمخالفات المتكررة للقانون، تعني عدم اهتمام وزارة الداخلية وحرصها على كفاءة رجال الأمن، وعدم مراقبتها لأدائهم وسلوكهم الذي يتنافى مع كل عرف وخلق ودين وقانون، وعدم معاقبتها للمخالفين منهم، فرجل الأمن يستغل بزّته العسكرية لمعاكسة الفتيات وللاعتداء على المواطنين وابتزازهم، فأين الملاذ لنا كشعب كويتي كان ينظر لوطنه على أنه بلد الأمن والأمان.وأزمة فساد بعض رجال الداخلية هي جزء من الأزمة العامة التي تعانيها السلطة التي تتعمق كل يوم، فالتنمية والبناء وتحديث الدولة المدنية بعيدة كل البعد عن هم الحكومة والمجلس الصوري، هذا المجلس الذي أرادت منه الحكومة أن يكون ألعوبة بيديها، ينفذ كل إملاءاتها ومع ذلك هي عاجزة عن التعامل معه، حيث جرت استقالات جماعية لنواب وهي الحادثة التاريخية الثانية بعد استقالات النواب عقب تزوير الانتخابات في الستينات، وأيضاً استقالة وزير العدل والأوقاف الذي اتهمته الولايات المتحدة الأميركية بتمويل الإرهاب، والصراع المكشوف على الملأ بين مراكز النفوذ داخل السلطة، وفضائح السرقات والرشاوى المليونية والمليارية والعبث بمقدرات البلاد وسرقة أموالها العامة، والتردي الفاضح للأداء الحكومي ولأجهزة وإدارات الدولة، وتهالك البنى التحتية وانهيار الخدمات العامة، وغلاء المعيشة وارتفاع الإيجارات، وتفشي الفساد والمحسوبية في مفاصل إدارات ووزارات الدولة.هذه الأزمة العميقة لن تُحل مطلقاً ولا يمكن للسلطة تجاوزها بل ستتفاقم، إلا بتخليها عن نهج الانفراد بالسلطة والقرار، والعودة لحكم الشعب والعمل بدستور الحد الأدنى تمهيداً لتطويره، لتحقيق النظام البرلماني الكامل وتشريع القوانين لحياة حزبية سليمة قائمة على أسس وطنية، ووضع قانون انتخابي عادل بناء على القوائم النسبية، والالتفات إلى التنمية الحقيقية التي يكون محورها الإنسان الكويتي.أما سرقة السلاح والذخيرة من مخازن وزارة الداخلية فهي فقط رأس الجبل الجليدي، وما خفي وما سيأتي أعظم وأدهى وأمرّ بكثير، ويشي بمستقبل مظلم لوطننا وشعبنا الذي لا يستحق أن يعامل هكذا.وليد الرجيبosbohatw@gmail.com_______________________________منقول عن جريدة الراي تاريخ ٢٤/٥/٢٠١٤ العدد:١٢٧٤٥