يبدو أن دول الخليج في حالة حرب مع «داعش» ضمن تحالف تقوده الولايات المتحدة، إما فعلياً أي مشاركة بعض الدول بقصف المواقع بسلاح الجو، أو لوجستياً من خلال استخدام القواعد الجوية على أراضيها لانطلاق الطيران الحربي الأميركي وتزويد طائراتها بالوقود.
وغني عن القول بأن الولايات المتحدة والدول الغربية وبعض الدول العربية والإقليمية، هي من أسس الجماعات الإسلامية وغذتها بالأموال، بما فيها الجماعات الجهادية والتكفيرية والإرهابية بجميع مسمياتها في الدول العربية والإسلامية، وزودتها بالسلاح ودربتها على استخدامه خاصة في بريطانيا، وهي الآن تعلن أن هذه الجماعات خطر ماحق بعدما تم السكوت عن فظائعها، وغض النظر عن ممارساتها الإجرامية في العراق وسورية ومصر وليبيا واليمن والسودان والصومال وغيرها.
وفي دولنا تمت رعاية الإسلام السياسي بالضد من القوى الوطنية والديموقراطية والتقدمية، التي تعتبرها أخطر من جماعات الإسلام السياسي، بل اعتبرت الأخيرة حليفتها فدللتها وسمحت لها بالسيطرة على بعض الوزارات ووضع مناهج خطرة على عقول النشء، بل سببت تفريخاً للجماعات المتشددة والتكفيرية، كما وضعت الأموال تحت تصرفها فأصبحت إمبراطوريات مالية، تملك المؤسسات المالية والاستثمارية.
وأخيراً أدركت بعض الدول الخليجية والعربية أن هذه الجماعات لديها مخططات وأجندات بعيدة المدى، قد تشكل خطورة عليها في المستقبل القريب، وخاصة بعد التجارب التي مرت بها مصر وتونس، حيث سيطرت هذه الجماعات التي كانت تعتبرها حليفة ومسالمة على كل مفاصل الدول التي حكمتها، وبات مخططها ضد الدول التي دعمتها ورعتها مكشوفاً وواضحاً، فاعتبرتها جماعات إرهابية وبدأت بمحاربتها ومحاربة أفكارها، ولكنها ما زالت تحظى برعاية أميركية غربية إقليمية.
ورغم التحذيرات الكثيرة من خطر تمدد داعش أو الدولة الإسلامية إلى الكويت ودول الخليج، إلا أن السلطات الخليجية قللت من الخطر ولم تعتبره داهماً، وظلت منهمكة في جبهاتها الداخلية ضد المعارضة التي تطالب بالإصلاحات السياسية والديموقراطية.
والآن وبعد إدراكها للخطر وبناء على الترتيبات الأميركية في المنطقة، وخطوة التقارب السعودي الإيراني والتي بدأت بإزاحة نوري المالكي، لابد من تهدئة الجبهات الداخلية وتخفيف الاحتقان السياسي في دول الخليج بالذات، لأن مواجهة الإرهاب تتطلب وقوف الشعوب مع أنظمتها وموافقتها على أي إجراء تتخذه السلطات.
وهناك مؤشرات قد تكون دليلاً على هذا التوجه في دول الخليج، فمثلاً قدمت السلطة في البحرين خمس نقاط على أنها متوافق عليها مع القوى السياسية المعارضة، مثل تغيير الدوائر الانتخابية وخضوع الحكومة لثقة البرلمان كي تعمل، ومساءلة الوزراء وغيرها من النقاط، كما أني تابعت حلقات مصورة في المملكة العربية السعودية تحت عنوان «مراجعات الفكر الوهابي» يقدمها نايف آل منسي وخلفه علم المملكة، وقد تابعت خمس حلقات منه حتى الآن، حيث يركز المذيع على أن جميع الجماعات التكفيرية خرجت من الفكر الوهابي، وهذا يدعو للاستغراب وخطوة جديدة بالنسبة للمملكة الشقيقة، وأيضاً طردت قطر سبعة من قيادات الاخوان المسلمين التي كانت تحتضنها، وفي الكويت مرر مجلس الأمة قانوني استقلال القضاء وحق المواطن في اللجوء للمحكمة الدستورية، إضافة إلى مشروع بقانون قدمه بعض الأعضاء لتعديل قانون الانتخاب بحيث يتم الإبقاء على الدوائر الخمس لكن تتم الانتخابات على أساس التمثيل النسبي، وإن مر مثل هذا التشريع فمن شأن ذلك مشاركة جميع القوى السياسية والنيابية في الانتخابات وتخفيف الاحتقان السياسي وتوقف الحراك الشعبي الاحتجاجي، أو أنه قد يكون مجرد دعاية انتخابية.
فإن كانت هذه القراءة صحيحة فإن المنطقة مقبلة على انفراج نسبي، أو قد يكون ذلك وهماً أو أمنية نتطلع لها، فالاستقرار والهدوء من مصلحة الجميع.