للإجابة، أو للدقة محاولة الإجابة، على هذا السؤال تحتمل أكثر من مستوى. المستوى المباشر الذي يمكن أن تنصرف إليه الأذهان حكماً من الوضع الراهن الذي يجتازه عالمنا العربي، حيث يعم الخراب والدمار وتشتعل الحروب وتسيل أنهار الدماء وتسبى النساء ويغتصبن ويُهجَّر الأبرياء وتدمر الثقافة ومنجزات الحضارة، قد يحملنا على القول إن العرب فقدوا عقولهم، فلا يمكن تخيل أن يكون لمن يقدم على كل هذه الفظائع عقل في رأسه يفكر ويزن الأمور بميزان الفطرة الإنسانية السوية.وربما يحيلنا هذا إلى ما كتب وقيل عن أزمة العقل البشري عامة، الذي رغم تفوقه ونبوغه، لا بل، وبسبب ذلك، اقترف من الفظائع ما لم تقترفه أشد الوحوش الحيوانية عبر تاريخ الكوكب كله، فلا يبدو «العقل العربي» استثناء من ذلك. وما يفعله العرب اليوم بأنفسهم وبسواهم يأتي بعد معراج طويل قطعته الحضارة الإنسانية من التوحش إلى التحضر، فلا يُغفر لهم، والحال كذلك، أن يكرروا فظائع غيرهم من الأمم بعد كل تلك العبر البليغة والفاجعة التي يحفل بها التاريخ.ولكن عبارة منسوبة لأستاذ الاقتصاد السوري البارز عارف دليلة قرأتها على مواقع التواصل الاجتماعي حفزتني للتفكير في حكاية العقل العربي هذا الذي يبدو أنه جانح نحو التوحش. يقول دليلة: إننا إذا أسقطنا 2% من السوريين من حَمَلة السيوف المتوحشين والهتافين الكومبارس العميان التابعين لهم، يبقى 98% من السوريين هم حملة المعاول، صناع الحياة، فإلى متى يطغى ال 2% على ال 98% ويستأثرون بفرصهم وحقهم بالحياة اللائقة بالإنسان؟سؤال وجيه لا يخص سوريا وحدها وإنما كل العرب من رجل حكيم، فإذا ما تأملنا في أعداد الآلاف المؤلفة من السوريين التائهين عبر البحار والصحارى والغابات بحثاً عن أراض في دنيا الله، الواسعة لحسن الحظ، تؤويهم هرباً من سكاكين «داعش» والبراميل المتفجرة، وفي الملايين القابعين منذ سنوات في الخيام على الأراضي المتاخمة لسوريا في لبنان والأردن وتركيا، غير أولئك المغلوبين على أنفسهم داخل الأراضي السورية ذاتها، نستطيع أن نتخيل أن هؤلاء هم ال 98% الذين عناهم عارف دليلة، الذين يقامر ال 2% من القتلة بحياتهم وبمصير وطنهم.عودة لعنوان المقال، نقول حتى ال 2% المتوحشون لم يفقدوا عقولهم، إنهم يوظفون أكثر المناطق شراً وعدوانية في هذه العقول جرياً وراء منافع نعرفها: المال والسلطة.بقلم د. حسن مدن٢۱ سبتمبر ٢۰۱٥صحيفة الخليج