غيلان الشويخ الصناعية! بقلم: عبدالهادي الجميل
في عام 1983م مثّل عادل إمام فيلما جادا وكئيبا ، على غير العادة.
ومردّ ذلك فكرة الفيلم الجادة التي تعالج قضية طبقية دائمة ومتجددة في كل زمان ومكان، وهي ظلم وتسلّط الطبقة العليا(القلة)على بقية طبقات المجتمع وخصوصا الطبقة الدنيا أو الفقيرة(الأغلبية الكاسحة).
يتناول الفيلم عجز الدولة عن تطبيق القانون على الأثرياء في المجتمع المصري.
كان اسم الفيلم الأصلي"قانون سكسونيا"والإسم مأخوذ من قانون كان معمولا به في القرون الوسطى في ولاية سكسونيا في ألمانيا الحالية حيث كان الإنسان العادي(الفقير/العبد)يُعدم علنا اذا ارتكب ما يستحق العقوبة.
أمّا إذا ارتكب الإنسان النبيل(ابن الطبقة العليا)نفس الجريمة، فيتم اتخاذ ذات الإجراء ولكن ليس ضده شخصيا وإنما ضد ظلّه. فيؤتى به قبيل غروب الشمس، كي يكون الظل طويلا، فيقف أمام الناس، بكل أناقة وكبرياء، ثم يأتي الجلّاد/السيّاف ويضع سيفه على رقبة الظل المنعكس على الأرض فيحزّها بسيفه.
وبهذا تكون العقوبة قد نُفّذت في ظل القاتل النبيل ويكون القانون قد طُبّق.
رفضت الرقابة المصرية ترخيص الفيلم ما لم يتم تغيير الإسم، فاتفق عادل أمام والكاتب الفذ وحيد حامد على استبدال الإسم بـ"الغول".
الغول مفرد أغوال وغيلان.
وهو وحش إسطوري مخيف يتصيّد الناس ويلتهمهم خلال سيرهم في الطرق الموحشة فرادى ولوحدهم.
وحيدا ومنفردا، ذهبت بدوري، بتاريخ 5 أبريل 2020م(بعد 5 قرون من زوال قانون سكسونيا)إلى قسم تأجير السيارات في القطاع التجاري التابع لبنك بيت التمويل الكويتي في منطقة الشويخ الصناعية.
وقمت باستئجار سيارة كيا لمدة 14 شهرا(سنة وشهرين)بإيجار شهري يبلغ 140 دينار.
وبذلك تكون التكلفة الإجمالية حسب علم الحساب والرياضيات المعمول به في كل العالم:
دينار 140X14=1960.
أما حسب قانون سكسونيا:
140X14= دينار2459
أي بزيادة 499 دينار وعند سؤال الموظف عن السبب، قال بأنها مقدّم وتُدفع كاش ولا علاقة لها بالأقساط الشهرية!
رغم أن السيارة بغرض الإيجار وليس الشراء!
أكملتُ مدة التعاقد وأعدت السيارة في الموعد المحدد بتاريخ 4 مايو 2021 وتم استلامها من قبل الموظف المختص الذي قام بالتدقيق، بكل جدية وإخلاص، على كل جزء من السيارة ودوّن جميع الملاحظات التي وجدها.
ودفعتُ، عن طيب خاطر، مبلغا مستحقا عبارة عن 25% من قيمة تصليح حادث ضد مجهول وهو ما يتفق مع شروط العقد.
أمس الاثنين 31 مايو حضرت لدى بيت التمويل بناءً على اتصال تلقيته منهم، وهناك قيل لي بأنني مطالب بمبلغين آخرين، على النحو التالي:
1- قيمة(خفس)في جانب السيارة لم يتم اكتشافه في المعاينة الأولى وبالتالي لم يتم تدوينه في ورقة المعاينة والاستلام التي أعطيت لي.
وقيل لي بأن الوكالة عملت، لاحقا، فحص خاص للسيارة، أظهر الخفس وأكّد الفحص ان الخفس له مدة!
وانا أسمع كلامهم، تخيّلت أن الوكالة قد استعانت بوحدة" فحص السونار"التابعة لمستشفى الولادة!
فصرخت: مش أنا الأبو، أنا أرفض نتيجة السونار لأني لم أكن حاضرا وأطالب بعمل فحص D N A لمعرفة الأب الحقيقي المتسبب بالحمل منعا لضياع الحقوق، وكي لا تنطبق علي مقولة"الزوج آخر من يعلم".
لو حدث هذا فأكيد الوكالة، بكل أريحية، ستضيف أجور الفحص على العميل لأنه الطرف الضعيف و"حمّال الأسية".
رفضتُ إدّعائهم وتمسّكت بما ورد في ورقة استلام السيارة الموقّعة والمختومة منهم والتي تنفي وجود هذا الخفس.
2- قيمة تكلفة إصلاح تأثير الطوز(الغبار)على(دعّامية) السيارة لأن التأمين الشامل لا يغطّي آثار الطوز.
وقيل لي أن العقد ينص على ذلك. وهذا غير صحيح ما لم يكون من حق الشركات الكبرى والبنوك تطبيق ملاحق سريّة لا يعلم عنها العميل!
كان عدد الكيلومترات الممنوحة لي خلال مدة استئجار السيارة 35000 كم.. ولو امتنعت عن قيادتها خلال الأيام التي يهب فيها الغبار على الكويت لما تجاوز العدّاد 500 كم خلال 14 شهر.
لم أستأجر السيارة كي أستخدمها في إنجاز مراجعاتي الحكومية في مجمع الوزارات القابع في قلب مقاطعة ويلز الخضراء أو للذهاب لمقر عملي وسط حقول العنب في إقليم اللورين والألزاس الفرنسي!
يبدو أن تدفّق الأرباح الهائلة الآتية من جيوب المواطنين قد أسكر البنوك والشركات حتى نست أننا في الكويت والكويت دولة صحراوية تخنقها الصحراء والطوز من كل جانب وفي كل وقت.
المواطن بين فكّي كماشة لا ترحم أبدا، طرفها الأول البنوك والوكالات وشركات التأجير وطرفها الثاني شركات التأمين التي تتصرف في البلاد والعباد كما تشاء.
الوكالات وشركات السيارات تتعاون مع شركات التأمين ضد المواطن أو العميل الذي لا يستطيع مجابهتهما، ولهذا تتنصلان من مسؤولياتهما المتفق عليها، فتلزمان الطرف الأضعف بتحمّل تكاليف ليس مسؤولا عنها!
المبالغ المطلوبة عليّ بسيطة بل وتافهة لكنني قررت عدم دفعها لأن ما تقوم به وكالات السيارات وشركات التأجير من سلب حقوق المواطنين والعملاء يجب أن يتوقف.
على مجلس الأمة أن يحمي المواطنين.
وعلى الحكومة أن توقف غيلان الشويخ الصناعية.
وعلى القضاء أن يتصدى لجبروت هذه الشركات وملّاكها.
العقود مجحفة جدا ويتم استغلال حاجة الانسان البسيط في فرض شروط ظالمة في اتفاقية تبدو موقّعة بين طرفين متوازنين ومتساويين لكن الواقع والحقيقة يؤكد أن هذه العقود ليست إلّا إقرار جباية يوقّعه الإنسان البسيط مرغما ليضع نفسه في قبضة شركات ووكالات وبنوك أشد جشعا وقسوة من الغيلان التي لا تشبع من التهام البشر.
في نهاية فيلم"الغول"يقوم عادل إمام بقتل الغول بالساطور بعد أن شاهد بنفسه عجز القانون عن حماية الفقراء.
فيسأله وكيل النيابة:
لماذا قتلته؟
يرد: عايز أخلّص الناس من قانون سكسونيا.
بقلم: عبدالهادي الجميل