لم يعد خافياً على أحد ما يتعرّض له المال العام ومقدرات الدولة من نهب متواصل وتبديد متعمد وسوء إدارة صارخ وفساد يزكم الأنوف، بحيث أصبح الحديث متداولاً على كل لسان حول فضائح الأطراف السلطوية وحلفائها المتنفذين، هذا ناهيك عن عملية الإفساد المنظمة التي طالت مختلف مفاصل الدولة ومؤسساتها ومرافقها، وهذا ما أكدنا ونبهنا عليه في كل مواقفنا السابقة.
وفي هذا السياق جاء الحديث التلفزيوني الخطير للنائب السابق مسلم البراك الذي أدلى به مساء البارحة الاثنين 21 أبريل، وأشار فيه على النحو الوارد في حديثه إلى ما لديه من معلومات بالأرقام والتواريخ وبيانات التحويلات لحسابات مصرفية في الخارج تعود إلى مسؤولين سابقين وحاليين.
ولعلنا لا نبالغ عندما نقول إنّه على ضوء التجارب المتكررة لتعامل السلطات العامة في الدولة مع قضايا الفساد السابقة (الاستثمارات الخارجية، والناقلات، وشيكات النواب، والإيداعات المليونية، والتحويلات الخارجية) لم تعد هناك ثقة في إمكانية ملاحقة الفاسدين الكبار ومعاقبتهم على جرائمهم، خصوصاً في ظل ما يحظون به من رعاية وحماية وما يمتلكونه من سطوة ونفوذ، بل أنّ الملاحقة والاتهامات قد تطول في الغالب مَنْ يتجرأ ويكشفهم، خصوصاً بعد أن عبثت السلطة في النظام الانتخابي وأحكمت قبضتها على مجلس الأمة.
أما المواطن الكويتي البسيط الذي يعاني الأَمَرَّين من مشكلات السكن وارتفاع الإيجارات وغلاء الأسعار وسوء الخدمات فإنه لا يمكن، بعد هذا كله، أن يثق في ادعاءات السلطة وحلفها الطبقي وما تروّجه أجهزة إعلامهما حول ضرورة ترشيد الإنفاق ووقف الهدر في الميزانية العامة للدولة وتخفيض الدعم.
لقد أصبح من الضرورة بمكان التحرك الجماهيري الموحد والقوي، وبمبادرة من كل القوى السياسية المعارضة، من أجل كشف الحقائق كاملة أمام الشعب... والمطالبة بعدم توفير الحماية والرعاية والغطاء للفاسدين المتنفذين الكبار وإبعاد المتورطين في هذه الفضائح عن مواقع القرار في أي منصب كانوا، وملاحقتهم ومصادرة الأموال العامة التي استولوا عليها من دون وجه حق... إلى جانب الضغط لإجبار الحكومة الحالية على الاستقالة الفورية والإسراع في حلّ مجلس الصوت الواحد وإجراء انتخابات جديدة وفق النظام الانتخابي الذي كان قائماً قبل العبث السلطوي المنفرد به، وهذا كله تمهيداً لتحقيق المطلب الاستراتيجي الرئيسي لإصلاح الأوضاع العامة في البلاد ولوقف حالة التدهور وقطع دابر النهب ومكافحة الفساد، الذي يتمثّل في قيام نظام برلماني ديمقراطي كامل يستند إلى وجود حياة حزبية سليمة ونظام انتخابي مبني على القوائم والتمثيل النسبي لتكون هناك حكومة ممثلة لإرادة الشعب ومسؤولة أمامه وقادرة على تحقيق تطلعاته في بناء كويت الديمقراطية والتقدم والعدالة الاجتماعية.