بيان "التيار التقدمي الكويتي" بمناسبة الذكرى العشرين لتحرير الكويت
بفخر واعتزاز يحيي الكويتيون الذكرى السنوية العشرين للتحرير، التي تمثّل مناسبة وطنية عزيزة على قلوبنا جميعاً؛ استعاد فيها الوطن الكويتي حريته واسترجع سيادته بعد غزو غاشم واحتلال غاصب. وبهذه المناسبة نستذكر مئات الشهداء الميامين الذين روّوا بدمائهم أرض الكويت دفاعاً عن حريتها وفداءً لاستقلالها، كما نستذكر تضحيات ألوف الأسرى من العسكريين والمدنيين، ونستذكر معها بطولات المقاومين البواسل، وتلك الوقفة الوطنية الجماعية الشجاعة للشعب الكويتي في وجه قوات الغزو والاحتلال العراقي تمسكاً بحرية الكويت وسيادتها وشرعيتها الدستورية، كما نستذكر معاناة شعبنا الصامد داخل الوطن والمشرّد في المنافي طوال الأشهر السبعة للاحتلال، ونعبّر عن امتناننا لكل مَنْ تضامن مع قضيتنا الوطنية العادلة وكل مَنْ ساهم في تحرير الكويت.
وفي المقابل، فإنّه يؤسفنا أنّ كارثة وطنية كبرى بحجم كارثة الغزو والاحتلال لم يُحاسب عن مسؤولية التقصير فيها والتهاون والتراخي عن مواجهتها أي مسؤول حكومي أو عسكري، بل لقد عاد بعض المقصرين والمتهاونين إلى مواقع المسؤولية والقرار وكأنّ شيئاً لم يكن، ويؤسفنا أكثر أنّ هناك بعد عشرين عاماً على التحرير مَنْ يحاول شقّ لحمة النسيج الوطني الاجتماعي للكويتيين، الذين ضربوا أروع الأمثلة في التاريخ على وطنيتهم، فيحاول أن يسيء إلى هذه الفئة أو تلك من فئات المجتمع الكويتي ويرفض الإقرار بمبدأ المواطنة الدستورية المتساوية للكويتيين جميعاً، ويؤسفنا أنّ هناك مَنْ لا يزال يتنكر لشهداء الكويت وأسراها من فئة "البدون".
والأسوأ من ذلك كله، أنّه على خلاف ما كان مؤملاً بعد التحرير من أن يُعاد بناء الكويت الجديدة على أسس جديدة، فقد جرى التراجع عن مشروع بناء الدولة الكويتية الحديثة، الذي رسم دستور 1962 ملامحه الأساسية، وتكررت محاولات نقض هذا الدستور وانتهاك أحكامه، وجرى تكريس نهج الانفراد بالسلطة، وتمّ التنكر لمبادئ النظام الديمقراطي وقيم الحرية والمساواة وسيادة القانون وتكافؤ الفرص، وأُفرِغ الدستور من مضمونه الديمقراطي عبر العديد من القوانين المقيدة للحريات والمصادرة للحقوق... وجرى تشطير المجتمع الكويتي رأسياً وتشظيته اجتماعياً وفقاً للاستقطابات الفئوية والمناطقية والقبلية والطائفية... وأُخضعت مؤسسات المجتمع المدني لوصاية حكومية، ونجحت عمليات تخريب الحركة النقابية العمالية؛ وإضعاف جمعيات النفع العام؛ وإفساد الحركة التعاونية... ولم يعد الوزراء رجال دولة وشركاء في صنع القرار، وإنما هم مجرد لفيف من كبار الموظفين الذين يتلقون التوجيهات وينفذون التعليمات... وتمّ إفساد العملية الانتخابية عبر المال السياسي، وكذلك فقد جرى إفساد الممارسة البرلمانية عبر شراء أصوات الغالبية النيابية الموالية، وإفساد الإعلام عبر أبواق دعائية مسفّة... فيما استشرى الفساد الإداري والاقتصادي؛ وتراجع ترتيب الكويت ضمن مؤشر مدركات الفساد العالمي (4.5 من عشر درجات في التقرير الأخير)... وتردى وضع التعليم، وهذا ما يعكسه الترتيب المتأخر للطلبة الكويتيين في اختبارات "بيرلز" للقراءة و"تيمز" للرياضيات والعلوم في العام 2006، فيما تراجعت الإدارة الحكومية والخدمات العامة، حيث تنقص نسبة أسرة المستشفيات في الكويت لكل ألف من السكان عن المعدل العالمي (1.83 سرير لكل 1000) بينما المتوسط العالمي (2.5 سرير لكل 1000) ... وسنة بعد أخرى تتزايد طوابير الانتظار لخدمة الرعاية السكنية (أكثر من 90 ألف طلب) ولم يعد ممكناً توفير السكن نظراً لارتفاع أسعار العقارات جراء المضاربات... وأخذت مشكلة بطالة الشباب تطلّ برأسها في ظل وجود أكثر من 28 ألف من الشباب الكويتيين العاطلين عن العمل، بالإضافة إلى المسرحين تعسفياً من العاملين في شركات القطاع الخاص... واشتدت معاناة الفئات الشعبية محدودة الدخل جراء التضخم النقدي وارتفاع الأسعار، الذي تجاوزت معدلاته المتراكمة خلال السنوات الثلاث الأخيرة أكثر من 22 في المئة، ما يؤثر على مستوى المعيشة العام... وهناك 27 ألف أسرة كويتية تعتمد في معيشتها على المساعدات الاجتماعية المقدمة من الدولة، وهي تمثل نسبة لا يستهان بها من مجموع الأسر الكويتية، وهذا ما يوضح تزايد نسبة الفئات المهمشة في المجتمع الكويتي، فما بالك بالفئات المهمشة من فئة "البدون" المحرومين من أبسط الحقوق الإنسانية والمدنية... وزاد الطين بلّه حالة الجمود والركود والشلل، التي عانتها الكويت جراء الوضع الذاتي للإدارة السياسية بين 1999 و2006، وبعدها عانت البلاد من إدارة سياسية ضعيفة ومتخبطة، حيث شهد الوضع العام في البلاد خلال السنوات الأخيرة أزمات سياسية متتابعة تمثّلت في استقالات متكررة للحكومات المتعاقبة، التي تميزت بسوء الإدارة وضعف التكوين وتدني الأداء، وتكرار صدور مراسيم بحل مجلس الأمة وإجراء انتخابات نيابية مبكرة، وجرى التلويح أكثر من مرة بتعطيل الدستور أو تنقيحه، وبرز نهج يدعو إلى التضييق على الحريات العامة، وملاحقة المعارضين وتجريم الإضراب عن العمل.
ويرى "التيار التقدمي الكويتي" إنّ حالة التردي العام وتفاقم المشكلات العامة إنما هي نتاج طبيعي للنهج المتبع في إدارة شؤون الدولة وسوء سياساته وخياراته، وعجزه عن انجاز عملية البناء الوطني والتقدم والتطور الديمقراطي المتسق والعدالة الاجتماعية في ظل تحكّم المصالح الضيقة للقوى الاجتماعية المتنفذة.
ولا يمكن تجاوز حالة التردي إلا بمعالجات جادة وإصلاحات جدية تتطلب لتحقيقها تغييراً لموازين القوى لإحداث إصلاحات سياسية مستحقة على مستوى الإدارة السياسية للدولة، وإعادة صياغة السياسات الاقتصادية والاجتماعية لصالح أوسع الفئات الشعبية، وهذا ما يقتضي وجود بديل وطني لهذا النهج يعبّر عن المصالح الوطنية العميقة ومصالح أوسع فئات الشعب الكويتي ويدفع ببلادنا في طريق بناء الدولة الكويتية الحديثة وتحقيق التقدم واستكمال التطور الديمقراطي وإقامة العدالة الاجتماعية.
ويؤكد "التيار التقدمي الكويتي" إنّ الإصلاح السياسي هو المدخل الأول لأي إصلاح، إذ لا يمكن إصلاح الاختلالات الأخرى وتصحيح المسار المنحرف إلا بإصلاح سياسي يعيد الاعتبار إلى مشروع بناء الدولة الكويتية الحديثة، وينهي النهج غير الدستوري للإنفراد بالسلطة ويحقق المشاركة الشعبية في إدارة الدولة وفي القرار السياسي، ويفتح الباب أمام إقامة حياة سياسية سليمة في إطار التعددية الحزبية والتداول الديمقراطي للسلطة في إطار الدستور.
وهذا ما يتطلب كخطوة أولى رحيل الحكومة الحالية وتشكيل حكومة جديدة برئاسة جديدة تتبنى نهجاً جديداً وتوجّهاً إصلاحياً... ويسجل "التيار التقدمي الكويتي" هنا تقديره للمضامين الايجابية الواردة في كلمة صاحب السمو الأمير بهذه المناسبة.
ومن جانب آخر يرى "التيار التقدمي الكويتي" أنّه لئن كانت الظروف الاستثنائية بعد التحرير في العام 1991 قد فرضت وجود اتفاقيات عسكرية مع الدول الكبرى وقواعد لبعضها، وتحديداً الولايات المتحدة الأميركية، فإنّ هذه الاتفاقيات والقواعد العسكرية لم يعد لها من مبرر بعد زوال نظام صدام وتهديداته، ناهيك عن مساسها بالسيادة الوطنية؛ وما يمكن أن يتعرض له أمننا الوطني جراء وجود القواعد العسكرية الأميركية من خطر وتهديد في حال نشوب حرب في المنطقة.
أما في شأن العلاقات الكويتية العراقية فإنّ العراق بحكم الجغرافيا والتاريخ كان وسيبقى جاراً لصيقاً للكويت، ولابد من بناء علاقة سليمة معه تقوم على أسس واضحة تبدأ بمعالجة الملفات العالقة بين البلدين المتصلة بالبحث عن رفات الشهداء والمفقودين والعلامات الحدودية وسداد قروض الدولة الكويتية، كما يفترض أن تنطلق هذه العلاقات مع العراق من احترامه الاستقلال والسيادة الوطنية للكويت وعدم المساس بالحدود الدولية المرسمة بين البلدين، وتطوير هذه العلاقة على قاعدة حسن الجوار بعيداً عن ادعاءات الضم والإلحاق.
المجد والخلود لشهداء الكويت في الذكرى العشرين للتحرير.
وعاشت الكويت وطناً حراً وديمقراطياً لجميع أبنائه.
"التيار التقدمي الكويتي"
الكويت في 26 فبراير 2011