عرضت مصر منح الجنسية المصرية لـ «البدون» مقابل استثمار أو إيداع مبالغ معينة منهم، وهو ما تفعله بعض الدول المتقدمة مثل كندا، وصحيح أيضاً أن منح الجنسية المصرية بهذه الشروط لا ينحصر بـ «البدون» فقط، وإنما أيضاً يشمل المقيمين العرب والمستثمرين في مصر.
ونتذكر أنه قبل أشهر كان هناك مخطط لتهجير «البدون» في دول الخليج إلى كل من السودان وجزر القمر، مقابل مبالغ مالية ضخمة تدفعها حكومات هذه الدول على شكل منح ومساعدات، المفروض أنها لمساعدة الدول المضيفة على التنمية، ولكن وكما كشفت المعلومات السودانية أن الرئيس السوداني الإسلامي عمر البشير استولى ومقربوه على جزء كبير من هذه الأموال.
ما يهمنا في الأمر أن تهجير «البدون» أو دفعهم مضطرين لبيع أنفسهم لدول لا ينتمون إليها ولم يولدوا بها، يعكس عجز الحكومة الكويتية عن إيجاد الحل الجذري المطلوب لفئة الكويتيين «البدون»، الذين يعيشون في ظروف اقتصادية واجتماعية لا إنسانية في بلدهم الذي ولدوا وعاشوا فيه، ويعاملون بإذلال لا يليق بالدول المتحضرة، خصوصاً عندما يخرجون في مظاهرة سلمية للمطالبة بحقوقهم المشروعة.
ولقد ذكرت في ذات مقال أنني رأيت على الحوائط في بعض معسكرات الجيش الكويتي، صوراً تملأ هذه الحوائط لـ «البدون» الذين استشهدوا في الحروب العربية ضد إسرائيل في عام 1967 وعام 1973، حيث كان الجيش الكويتي يضم ضمن جنوده وضباط صفه العديد من أبناء البدون الذين ضحوا بحياتهم من أجل الكويت أثناء الغزو أو من أجل القضية العربية، حيث امتزجت دماؤهم بدماء زملائهم من الجيوش العربية.
إن تهجير فئة كبيرة من البشر هو أمر لا إنساني بكل المقاييس، وهو لن يحل مشكلات المواطنة التي يستحقها كثير من الأسر البدون وخاصة أبناء الكويتيات المتزوجات من غير كويتيين، ومن الذين شملهم إحصاء عام 1965، أو من أصحاب الكفاءات منهم الذين يمكن الاستفادة من مؤهلاتهم وإمكاناتهم للمساهمة في بناء الكويت، بدلاً من عشرات الآلاف من العمالة السائبة التي تعيش على الهامش وفي ظروف لا تتوافق مع حقوق الإنسان والقوانين الدولية المنظمة لهذه الحقوق بسبب تجارة الإقامات.
فخلال عقود طويلة من الزمن تكرّس خلالها فشل الحكومة أو عدم رغبتها في إصلاح الخلل الذي أوجدته هي بالتراخي وغض البصر عن الفساد وتفاقم الأزمات، الذي يشبه التراخي والتجاهل في قضية تزوير الجنسية أو الحصول عليها من دون وجه حق بضغط من نواب فاسدين وآخرين مسؤولين.
إن التهجير هو هروب من المسؤولية، وإثبات العجز تلو العجز عن حل القضايا العالقة في المجتمع، ومن أهم هذه القضايا الفساد وتوفير الغطاء لسراق المال العام والمرتشين والفاسدين والمفسدين، فالحل ليس بالتخلص من فئة اجتماعية بأكملها، بل بإيجاد حل جذري وإنساني عادل لهذه القضية الشائكة والمعطّلة منذ عقود، على أن تستفيد الحكومة من هذه الأزمة التي تستعصي كل يوم، وتسخر طاقات من يملك إمكانات وإبداعات من فئة الكويتيين البدون لخدمة المجتمع وتقدمه.