منذ سنوات عدة تتم المتاجرة سياسياً وانتخابياً بمشاعر الناس من خلال المطالب الشعبوية والمنح المالية التي تُستقطع من المال العام للترضيات وكسب الولاءات، رغم أن المطالب الشعبوية مثل إسقاط القروض أو فوائدها عن المواطنين المقترضين لن تغير من الأحوال المعيشية لهؤلاء الناس أو من أوضاع البلد اقتصادياً وتنموياً واجتماعياً، كما أنها لن تمنع معارضة الناس للسياسات الحكومية أو الإدارة السياسية أو تغير موقفهم من الفساد والانفراد بالسلطة والانقلاب على الدستور، كما أنها لن تجعلهم يرضون عن مجلس الصوت الواحد الذي خذل الجميع سواء المقاطعون أو المشاركون أو الحكومة نفسها.الاقتراض الشخصي من البنوك ليس دائماً لحاجات ماسة لدى الناس، ولكن كثيرا منهم يقترض لشراء سيارة فخمة أو لسفر ولتلبية مظاهر الحياة الاستهلاكية السلبية في المجتمع، بينما يوجد آخرون يقترضون لدراسة أبنائهم في الجامعات الخاصة مثلاً لعدم حصول الأبناء على معدلات تُدخلهم الجامعات الحكومية، أو بسبب عدم وجود مقاعد كافية في الجامعة الحكومية الوحيدة في الكويت، وخصوصا أن رسوم الجامعات الخاصة مرتفعة جداً لا تستطيع توفيرها رواتب العاملين بأجر.كما أن إلحاح المجلس الحالي والمجالس السابقة على إسقاط القروض دليل على عدم وجود برامج جدية أو رؤية لتشريع قوانين في صالح نماء البلد ورخاء المواطن، ودليل على فقدان الثقة بالنفس وعدم اليقين بفوز الأعضاء الحاليين مرة أخرى في الانتخابات النيابية المقبلة، وباختصار هو دليل إفلاس وعدم إخلاص حقيقي لخدمة ناخبيهم وخدمة البلد.وإن كانت هناك نية حكومية لاستخدام المال العام لتسديد القروض أو فوائدها كما تشي الأخبار هذه الأيام فهذا يعني هدرا جديدا للمال العام كان يمكن توظيفه للتنمية الحقيقية التي تحتاج كل دينار من أجل تجديد الاهتراء في كل مناحي الحياة الكويتية من بنية تحتية وطرق وصرف صحي وبناء محطات لتوليد الكهرباء، وإصلاح الخدمات الصحية والتعليمية المتردية،والإنفاق على كل ما يسهم في رخاء الناس ويسهل معيشتهم.وتبدو الموافقة الحكومية على إسقاط القروض أشبه بالصفقة أو الرشوة السياسية، يأخذ الناس ما تيسّر على أن يسمح لكبار المتنفذين بنهب الحصة الكبرى من المال العام، إضافة إلى معرفة جميع الأطراف بأنه مشروع يفتقر للعدالة ويشجع على المضي بسلوك الاقتراض من دون شعور بالمسؤولية، ويشجع كذلك على النمط الاستهلاكي غير المتحضر والمدمّر لمعيشة المواطن ويحرّض على السلبية وعدم الإنتاجية أو احترام قيم العمل.يكفي أن المال العام يذهب إلى تعويض الشركات الخاسرة أو المتعثرة دون وجه حق، وهي شركات غير منتجة أو مفيدة للمجتمع، ولكنها طفيلية تقتات من مال الشعب.وقد ذكر الاقتصادي جاسم السعدون في تصريح له اول من امس: «أنه في أواخر السبعينات ولأسباب سياسية بحتة أو للترويج لتنقيح الدستور، قامت الحكومة بشراء أصول مدينين بكلفة اجمالية بلغت نحو 150 مليون دينار، ثم تدخلت مرة أخرى عام 1982م إبان أزمة المناخ بشراء أصول مديني المناخ، ثم أصدرت في العام 1986م برنامج المديونيات الصعبة، حيث وُظف سياسياً لشراء مديونيات مدينين نافذين، ثم تبنّت الحكومة عام 1992م قانون المديونيات الصعبة وقامت بشراء كل المديونيات الصعبة والسهلة ولم تعرف تكلفته حتى الآن ولكنها كانت بضعة مليارات»، كما يصف تقرير الشال الاقتصادي الصادر امس اسقاط القروض «بأنها صفقة رديئة لتأجيل استجواب الوزراء» (انتهى).كل رشوة أو صفقة هي ضياع لفرصة تنموية أو اصلاحية بنيوية للبلد، وهي أشبه بإبر التخدير الذي بزواله يعود الألم مرة أخرى، وتتفاقم المشكلات بأنواعها سنة بعد أخرى.وليد الرجيبosbohatw@gmail.com
منقول عن جريدة الراي تاريخ 18\03\2013 العدد:12313.