بخصوص توجه الحكومة متمثلة في وزارة المواصلات لخصخصة البريد فنحن في الحركة التقدمية نرفض تصفية القطاع العام التابع للدولة، وتحديداً في مجال الخدمات الأساسية، التي تشمل البريد بمجمل أنواعه وغيره من وسائل الاتصال الأساسية.
المجال مفتوح للقطاع الخاص لتقديم خدمات توصيل البريد والطرود، وهذا واقع منذ سنوات طويلة في الكويت عبر شركات عربية وأجنبية ومندوبين، وبالتالي لا يصح القول إن هدف تصفية قطاع البريد الحكومي هو "فتح المجال أمام القطاع الخاص" كما في الشعار المعتاد والمضلل.
إن إدارة الدولة لقطاع مثل البريد ليست عملية تعجيزية، بل هي الوضع المعتاد والمشهود في مختلف بلدان العالم، خصوصا ما قبل الحقبة النيوليبرالية الرأسمالية التي دفعت باتجاه الخصخصة منذ نحو سبعينات القرن العشرين، وهي الحقبة والتوجهات التي باتت في انحسار بعد افتضاح فشلها في أزمة ٢٠٠٨ العالمية المستمرة، وكذلك بعد جائحة كورونا.
تقرر المادة ٣٩ من الدستور أن "حرية المراسلة البريدية والبرقية والهاتفية مصونة"، وذلك للجميع بغض النظر عن مستوى دخلهم، بينما المعروف أن تكاليف خدمات البريد الخاصة في الكويت باهظة، فما الضمان ألا تكون الخدمات العامة بعد خصخصتها أيضا باهظة الثمن وليست في متناول الجميع؟ أليس الأولى تطوير خدمات البريد العام بأسعار معقولة لدفع القطاع الخاص لتخفيض أسعاره بحيث تكون في متناول أصحاب الدخول المتدنية من مواطنين ومقيمين؟
إن خدمة مثل البريد بمختلف أنواعه ليس لها جانب تجاري فقط، بل لها جوانب إنسانية وسياسية وأمنية تمس خصوصيات الأفراد، وتشمل المعلومات الحساسة للمؤسسات الخاصة والعامة، فلا يجوز أن تضطلع بهكذا أمور جهات خاصة غايتها الوحيدة الربح، خصوصا إن كانت أجنبية، إلا في أضيق الحدود وللضرورة القصوى ولأغراض محددة ومؤقتة وتحت رقابة مشددة، وليس كنهج عام.
إن الفشل القديم في إدارة البريد في الدولة ليس منفصلا عن الفشل الإداري العام المستشري في الدولة، فسوء البريد ليس استثناء ولا مستغربا.
لا سبيل لإصلاح البريد وغيره من قطاعات الدولة سوى بتولية المسؤولية لأشخاص ذوي كفاءة، واتباع نهج عام للدولة سمته الإصلاح وليس تصفية الدولة، وتعزيز الديمقراطية التي من شأنها فرض الرقابة الشعبية على الإدارة وعزل الإدارات الفاشلة والقائمين عليها.
أما الادعاءات الرائجة عن وجود نهج إصلاحي في السلطة فسرعان ما يكشفها اتباع الحكومة التوجهات النيوليبرالية التنفيعية، إذ لا يكفي اتخاذ إجراءات إصلاحية من الناحية السياسية أو الانتخابية فقط، بل مطلوب أيضا نهج إصلاحي في الجوانب الاقتصادية والإدارية والخدمية والاقتصادية الاجتماعية التي تمس حياة الناس وهموهم اليومية، حيث يجب إعطاء الأولولية لمصالح الأغلبية الواسعة من الشعب من الموظفين البسطاء والمتقاعدين وغيرهم من الفئات الشعبية، وليس الإمعان في تصفية الخدمات العامة وتسليمها للشركات وتنفيع أصحابها الذين يمثلون أقلية قليلة تعتاش على الفشل في إدارة الدولة وتتعمد إفشالها.