تحولت المنطقة العربية في السنوات القليلة الماضية إلى ما يشبه الثكنة العسكرية التي يحمل كل شخص فيها السلاح ويده على الزناد، وهو ما قد يؤدي، حتى بمجرد خطأ بسيط، إلى نشوب حرب ستعاني شعوبنا ويلاتها، فهناك سباق تسلح رهيب في المنطقة تقوده كبرى شركات الأسلحة الأميركية والغربية وحكوماتها التي تساهم في زيادة حدة التوتر السياسي في المنطقة، وتشجيع الأحلاف السياسية-العسكرية ورعايتها، وهو الأمر الذي يترتب عليه، كما سبق أن ذكرنا، صفقات عسكرية ضخمة لمصلحة المجمع الصناعي-العسكري الغربي الذي يعاني أزمة مالية خانقة، ففي أميركا، على سبيل المثال لا الحصر، ارتفعت عام 2015، بحسب ما ذكرت مؤخرا وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، مبيعات السلاح بنسبة 36% لتصل إلى 46.6 مليار دولار، وتتوقع "البنتاغون" تصاعدها أي المزيد من الصفقات العسكرية.
وهناك أكثر من حرب تدور رحاها الآن في الإقليم، وقد يطول أمدها إلى سنوات قادمة، وجميعها تحت شعار غامض ومطاط هو "مكافحة الإرهاب"، وهو ما يعني المزيد من الدمار البشري، والمعاناة الإنسانية الرهيبة وتدمير المدن والبيئة، وفي الوقت ذاته المزيد من صفقات الأسلحة وعسكرة الإقليم اللتين تستنزفان ثرواتنا الوطنية ومواردنا الطبيعية على حساب رفع مستوى معيشة شعوبنا، وحل المشاكل الاقتصادية-الاجتماعية القاسية، وتحقيق خطوات متقدمة في عملية التنمية الإنسانية، إذ لا يستفيد من ذلك كله سوى المجمع الصناعي-العسكري الغربي المتوحش ووكلائه المحليين.
بعد الأزمة الاقتصادية الرأسمالية التي تفجرت عام 2008 عانت مصانع الأسلحة الأميركية- الغربية أزمة مالية خانقة جعلتها تبحث عن مخارج سريعة، من ضمنها زيادة بؤر التوتر السياسي في العالم؛ لذا تراجع، شيئا فشيئا حتى اختفى، الحديث الإنشائي المرسل عن الديمقراطية والحريات الذي كانت تروجه دوائر سياسية وإعلامية غربية ووكلاؤها المحليون، خصوصا بعد الاحتلال الأميركي-البريطاني للعراق عام 2003، مدعية أن هناك اهتماما أميركياً-غربياً بتشجيع قيام أنظمة مدنية- ديمقراطية في المنطقة تحمي الحريات وتعزز مفهوم المواطنة الدستورية. لقد أثبتت الأيام أن ذلك كان مجرد تسويق أوهام من خلال خطاب إعلامي موجّه يستهدف تدعيم نفوذهم السياسي في المنطقة للمحافظة على مصالحهم الاقتصادية.
وبالرغم من أن دول مجلس التعاون الخليجي تعاني أزمة اقتصادية، فمن الصعوبة بمكان إخفاؤها لا سيما بعد انخفاض أسعار النفط وتسجيل عجوزات مالية في الميزانيات العامة، وهو ما يتطلب عدم الدخول في حروب عبثية ووقف سباق التسلح على الفور، ثم البدء بإصلاحات سياسية وديمقراطية مستحقة، في هذه المرحلة الحرجة والمضطربة، تجعل الشعوب تشارك مشاركة فعلية في صنع السياسات الاقتصادية-السياسية، واتخاذ القرارات العامة كي تحمي دولها وأنظمتها وتضمن مستقبلها، إلا أن ما يحصل، مع الأسف، هو العكس، فقد تراجعت الأشكال شبه الديمقراطية، وازداد سباق التسلح، وتضخّم الإنفاق العسكري في دول التعاون ليتعدى المئة مليار دولار خلال العام الماضي فقط، بل أصبحت دول المنطقة تتبارى في تشديد القبضة البوليسية، وقمع الحريات، وتكميم الأفواه (هنا أيضا يتم استيراد المزيد من مواد القمع والأسلحة الخفيفة التي تنتجهما مصانع الدول الغربية)، فأي مستقبل، في حال استمرار سباق التسلح وعسكرة الإقليم، يتنتظر دول المنطقة وشعوبها؟!