يجب أن ننظر إلى المادة بحركتها الدائمة وتغيُّر حالاتها وليس بسكونها وثباتها، وهذا ما أثبتته العلوم الطبيعية مثل الفيزياء والكيمياء وغيرها، والمجتمعات البشرية كذلك ينطبق عليها ما ينطبق على المادة من تغيّر وحركة دائمة وهذا رأيناه و نراه في الأحداث التاريخية عبر الأزمان، وأما شرارة انطلاق هذا التغيير وهذه الحركة الدائمة فتكمن في وجود متناقضات (في المادة أو في المجتمعات البشرية) تتصارع فيما بينها لينتصر أحدها.انطلاقاً من هذه المقدمة يجب أن نتعامل مع الوضع السياسي في الكويت ونفهم طبيعته، فالسلطة تعرقل التطور الديمقراطي في البلد بسبب نهجها المشيخي وتريد الدولة دولةً عشائريةً بينما الشعب يتطوّر وترتفع مطالباته نحو استكمال الحياة الديمقراطية، فهناك تناقض بين مصلحة السلطة ومصلحة الشعب ومن هذا التناقض والصراع بين المصلحتين ينتج التغيير والتطوير، والحراك الشعبي -رغم كل عيوبه- يعبّر عن الحاجة الموضوعية للشعب في النهوض والتقدُّم وهي حاجة بواقع الحال تصطدم مع مشروع السلطة، ما دام هذان المتناقضان موجودين فالأساس الموضوعي لحدوث تغيير موجود أيضاً مهما تأخر هذا التغيير.فنحن اليوم نتحدث عن تأخّر التغيير والتطوير في الكويت ولا نشك في وجود الأساس الموضوعي لحدوثهما وبالتالي علينا اكتشاف وتحليل أسباب قصور الحراك الشعبي عن إحداث ذلك أو أسباب نجاح السلطة في عرقلته.نستطيع تلخيص أسباب قصور الحراك الشعبي في: عدم تشخيص أساس مشكلة البلد والانشغال بصراعات جانبية عن الصراع الرئيسي، سيادة المصالح الشخصية على حساب المصلحة العامة، وعدم تبني مشروع واضح للضغط على السلطة لاستكمال النظام البرلماني الديمقراطي. أما أسباب نجاح السلطة في عرقلة التطور الديمقراطي فتتلخص في: تفتيت المجتمع فئوياً (طائفياً وقبلياً ومناطقياً) عن طريق أساليب كثيرة مثل اعتماد الواسطة والمحسوبية على حساب سيادة القانون وتوزيع الدوائر الانتخابية فئوياً، إفساد مؤسسات البلد المختلفة ومن أهمها المؤسسة التشريعية، استخدام (دستور الحد الأدنى) أحياناً وتعطيله والعبث بروحه أحياناً أخرى، وكذلك تذبذب النظام الدستوري بين البرلماني والرئاسي ومنع وجود أهم ركيزة للإصلاح السياسي والمتمثلة في وجود أحزاب سياسية وطنية مما يعقّد التطور السهل نحو الديمقراطية الكاملة.نستنتج مما سبق أن الحراك لم يمت ولن يموت ونتمنى من الطليعة السياسية الواعية أن تتعامل مع المشكلة الرئيسية في البلد بواقعية وفاعلية على أمل الخروج من هذه المرحلة إلى ما فيه مصلحة بلدنا وشعبنا.