فجأة ومن دون مقدمات قررت الحكومة أن المجلس السابق لن يستطيع "مواجهة التحديات" مثلما ذُكِر في مرسوم الحلّ، وقد سبقها رئيس المجلس، إذ طالب، في سابقة تاريخية، بحلّ المجلس والدعوة لانتخابات مُبكرة وهو ما حصل بالفعل، وذلك على الرغم من "معلقات" المديح والثناء على "الإنجازات غير المسبوقة"! و"حُسن التعاون" بين السلطتين التي كان الطرفان يتبادلانها طوال السنوات الثلاث التي عاشها المجلس السابق. على أي حال، فقد أجريت الانتخابات العامة في ظل استقطابات طائفية وفئوية حادة زادت من تفتيت النسيج الاجتماعي الوطني، وفي ظل الفوضى السياسية نفسها، وبموجب النظام الانتخابي السيئ وغير العادل ذاته، فما الذي تغيّر بعد الانتخابات كي يمكننا القول إنه باستطاعتنا الآن مواجهة التحديات الداخلية والخارجية التي دعت إلى حلّ المجلس؟ لم تسفر الانتخابات عن أي تغيير سياسي في موازين القوى أو المعادلة السياسية القائمة، فالحكومة عادت بنهجها السياسي عينه، وخطتها ذاتها، ووثيقتها الاقتصادية نفسها، هذا ناهيك عن أن لديها، كما هي الحال دائماً، أغلبية داخل المجلس لأن الوزراء أعضاء بحكم مناصبهم، ولديها الصلاحيات الأخرى الموجودة في النصوص الدستورية مثل رد القوانين التي لا توافق عليها، ورفع كتاب عدم التعاون مع المجلس متى ما أردات. أما المجلس وعلى الرغم من أن معظم أعضائه أتوا نتيجة للاستياء الشعبي من الوضع السياسي بشكل عام، ومن المجلس والحكومة السابقين بشكل خاص، وبعد مطالبات سياسية وشعبية بالإصلاح السياسي-الديمقراطي من أجل الخروج من الحلقة المُفرغة، فإنه في واقع الأمر لا يختلف عن المجالس السابقة، سواء من ناحية ضعف نسبة التمثيل الشعبي لإجمالي عدد الناخبين التي تراجعت بشكل ملحوظ في قانون الانتخاب الحالي "الصوت الواحد"، أو من ناحية الأداء العام والمخرجات، إذ يظل المجلس، كمؤسسة، غير قادر لسبب بنيوي على إصلاح المنظومة السياسية التي هو ذاته أحد أجزائها الرئيسة. صحيح أنه باستطاعة بعض الأعضاء تقديم اقتراحات بقوانين لكنها لن تجد طريقها للإقرار، ثم التنفيذ ما لم توافق عليها الحكومة، وصحيح أيضاً أنه بمقدور أي عضو أن يطرح ما يشاء من آراء داخل القاعة، لكنها تظل مجرد تسجيل مواقف تنتهي بانتهاء الحديث. أما الاستجوابات فقد تؤدي أحياناً إلى استقالة الوزير المعني لكنها، في الغالب، لا تعالج المشاكل الواردة في صحيفة الاستجواب، وفي بعض الأحيان قد يستخدم الأعضاء المؤيدون للحكومة أداة الاستجواب لافتعال أزمة سياسية كي تستغلها الحكومة كذريعة من أجل رفع كتاب عدم التعاون، وعادة يُحلّ المجلس فنعود إلى المربع الأول. وهكذا، فإن حلّ المجلس وإعادة الانتخابات في ظل المعطيات والظروف الحالية لم يترتب عليهما أي تغيير سياسي يُخرجنا من الدوران المُرهق، فالنتائج معروفة سلفاً، وهو الأمر الذي لن يُساعدنا على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية الصعبة والمُعقدة. والمطلوب، مثلما ذكرنا من قبل، هو انفراج سياسي عام يُمهّد الطريق لتوافقات وطنية يتربت عليها إصلاح ديمقراطي حقيقي للمعادلة السياسية الحالية من أجل استكمال بناء دولة مدنيّة ديمقراطية عصرية تقوم على أساس المواطنة الدستورية المتساوية والعدالة الاجتماعية.د. بدر الديحانيجريدة الجريدة11/12/2016