على الرغم من تجريمها قانونياً وآثارها السلبية الواضحة على اختيارات عموم الناخبين في الانتخابات النيابية العامة، هاهي الانتخابات الفرعية القبلية تجري جهاراً نهاراً تحت سمع الحكومة وبصرها وفي ظل تراخيها الفاضح بل تواطؤها الصارخ، ليتم الإعلان عن نتائجها من دون خوف من حساب أو عقاب، وكأن الانتخابات العامة تجري على مرحلتين. ونحن هنا عندما نعارض الانتخابات الفرعية، فإننا ندرك تماماً الأسباب التي أوجدتها والعوامل التي أبرزتها وساهمت في تكريسها، فهذه الظاهرة السلبية إنما هي نتيجة لأوضاع سياسية مختلة بالأساس، وناجمة عن نهج سلطوي متعمد ونظام انتخابي فاسد ومعبوث به. ذلك أنّ تعطيل السلطة لمشروع بناء الدولة الكويتية الحديثة القائم على المواطنة والمساواة وتكافؤ الفرص أدى بالضرورة إلى بروز الهويات الصغرى من قبيلة وطائفة وعائلة على حساب الهوية الوطنية الكبرى، وترافق هذا مع تشجيع السلطة وحلفها الطبقي الرأسمالي للانقسامات والاستقطابات والنعرات الفئوية والمناطقية داخل المجتمع الكويتي بهدف طمس الانقسام الطبقي ودفع المواطنين نحو الدخول في صراعات وهمية لإبعادهم عن دائرة الصراعات الحقيقية المتصلة بالحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بين القلة التي تستأثر بمقدرات البلاد وخيراتها والغالبية الساحقة من الناس التي يُلقى إليها بفتات المائدة. وفي السياق ذاته فإنّ النظام الانتخابي الفاسد والمعبوث به منذ العام ١٩٨٠ لنظام الدوائر الخمس والعشرين، ثم النظام الحالي للصوت الواحد المجزوء، ساهم أكثر فأكثر في خلق بيئة حاضنة للانتخابات الفرعية. ومن هنا فإنّ الحركة التقدمية الكويتية ترى أنه لا يمكن وقف هذه الظاهرة السلبية بمعزل عن إعادة الاعتبار مجدداً إلى مشروع بناء الدولة الكويتية الحديثة وإلى المواطنة المتساوية القائمة على العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص واحترام سيادة القانون…وكذلك لا بديل عن تحرر الجماهير من سطوة الأفكار المضللة حول طبيعة الانقسام وحقيقة الصراع الدائر داخل المجتمع… بالإضافة إلى ضرورة تحقيق إصلاح سياسي ديمقراطي يساعد على تطوير الحياة السياسية وتنظيمها عبر قانون ديمقراطي لإشهار الأحزاب السياسية على أسس وطنية، ووجود نظام انتخابي ديمقراطي عادل يستند إما إلى القوائم والتمثيل النسبي، أو النظام المختلط الذي يجمع بين النظامين النسبي والأكثري، بما يحقق تمثيلاً انتخابياً نيابياً يتسم بالعدالة…وهذا ما ترفضه السلطة في محاولتها لإبقاء الأوضاع المختلة والفاسدة وغير الديمقراطية على ما هي عليه، وذلك بهدف ضمان سطوتها وانفرادها بالقرار وإضعاف المشاركة الشعبية وتعطيل التطور الديمقراطي.