الحركة التقدمية الكويتية: إن كانت هناك مصالحة... فهذا هو الطريق وهذه هي الأسس
تابعت الحركة التقدمية الكويتية باهتمام المبادرة التي أطلقها أخيراً الزعيم الوطني التاريخي الدكتور أحمد الخطيب بعنوان (المطلوب مصالحة لا عفو)، التي حظيت بدرجة ملحوظة من اهتمام الرأي العام، وذلك على الرغم من كونها ليست الدعوة الأولى للمصالحة السياسية أو الوطنية لطيّ صفحة الأزمة السياسية الممتدة منذ العام ٢٠١٠، وعلى الرغم كذلك من عدم وجود مشروع متكامل لهذه المبادرة وآليات تحقيقها، ناهيك عن عدم وضوح مدى استعداد السلطة للتجاوب معها في ظل موازين القوى الحالية، إلا أن هذه المبادرة اكتسبت أهمية خاصة بسبب المكانة السياسية والمعنوية للدكتور أحمد الخطيب، ولأنها أطلقت ضمن ظرف يطغى عليه مزاج تصالحي جراء التحدي المتمثل في جائحة فيروس كورونا المستجد وما يتطلبه من تضامن وتسخير مختلف الجهود وتعبئتها لمكافحة الجائحة وتداعياتها.
ونحن نرى أن الدعوات المتكررة التي يجري طرحها بين وقت وآخر حول المصالحة السياسية أو الوطنية، تدلل على وجود حاجة موضوعية للبحث عن مخرج من استمرار الدوران المرهق في الحلقة المفرغة للأزمة السياسية وتداعياتها طوال العقد الزمني الأخير، ولكننا مع ذلك كله، وبعيداً عن الانسياق وراء أية أوهام أو تقديرات مبالغ فيها، فإننا في الحركة التقدمية الكويتية معنيون بتوضيح النقاط والمنطلقات والأسس والاعتبارات التالية:
أولاً: إن الدعوة للمصالحة أمر مفهوم في عالم السياسة، وهناك شواهد سابقة عليها محلياً وعالمياً في فترات مواجهة التحديات الكبرى وفي الفترات الانتقالية وعند بروز ظروف استثنائية… ولكن هذه المصالحات أياً كانت لا يمكن أن تلغي وجود مصالح اقتصادية واجتماعية متناقضة، ولا تعني طمس الخلافات والمواقف السياسية والفكرية المتباينة، كما أنها لا تعني التسليم والرضوخ وإنما هي تمثل شيئاً من التفاهم المبني على درجة من الثقة المتبادلة لطيّ صفحة سابقة وتسوية أوضاعها ووضع أسس متوافق عليها لمرحلة جديدة، ومن الشواهد التاريخية على ذلك ما حدث بعد استقلال الكويت، وكذلك ما حدث من أجواء تصالحية بعد الصراع الذي دار في المجتمع الكويتي بعد تزوير انتخابات ١٩٦٧ عبر اطلاق سراح المحكومين في قضية أمن الدولة الأولى وبيان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء في ٢٤ يونيو ١٩٧٠، التي مهدت لإجراء انتخابات ١٩٧١ وحالة الانفراج التي امتدت إلى العام ١٩٧٦ وتحققت خلالها انجازات وطنية كبرى كان أبرزها تأميم النفط، وأخيراً مؤتمر جدة الشعبي خلال فترة الاحتلال والتزام السلطة بعودة العمل بالدستور بعد التحرير.
ثانياً: إننا نتفق مع القول بأن المصالحة لا تعني مجرد العفو عن المحكومين والمحبوسين والملاحقين في قضايا الرأي والتجمعات والقضايا السياسية، ولا يجوز حصرها فيه، ولكن هذا العفو بعيداً عن أي إذلال أو انتقام هو أحد أهم العناوين الرئيسية لأي مصالحة مستحقة، شأنه في ذلك شأن العناوين الثلاثة الأخرى التي تمثل مداخل لتحقيق حالة إنفراج سياسي، وهي:
١- إلغاء ما تبقى من قرارات انتقامية تتصل بسحب الجنسية الكويتية لأسباب سياسية.
٢- تفكيك ترسانة القوانين المقيدة للحريات.
٣- التوافق على نظام انتخابي ديمقراطي بديل لنظام الصوت الواحد المجزوء الذي عانت الكويت ولاتزال تعاني من أضراره وعواقبه.
ثالثاً: إن المصالحة يجب أن تستند إلى الأسس الدستورية ومبادئ الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وبالتالي فإن أي مصالحة لا تعني إطلاقاً منح تفويض سياسي أو شعبي لإطلاق يد السلطة في اتخاذ ما تراه من اجراءات، بل يجب الانتباه إلى ما كان مطروحاً من توجهات لاستهداف الدستور، وما يدور من محاولات لتمرير مشروعات تعويض تنفيعية منحازة طبقياً تحت غطاء مواجهة الأزمة وتداعياتها، ناهيك عما يتم تداوله حول مصير مجلس الأمة، على الرغم من كل تحفظاتنا واعتراضاتنا الجدية على المجلس الحالي… ومن هنا فإنه يجب التنبيه كذلك إلى أن أي مصالحة لا يجب أن تكون صفقة سياسية خارج الإطار الدستوري ولا هي غطاء للانفراد السلطوي بالقرار.
رابعاً: إن أي مصالحة سياسية أو وطنية جدية لا معنى لها مالم يتم التوافق فيها على اتخاذ اجراءات جدية لمكافحة الفساد ووقف النهب المنظم لمقدرات الدولة، وتشكيل حكومة إصلاحية ذات نَفَس ديمقراطي تعالج المشكلات المزمنة والقضايا العالقة والمستجدة مثل آثار وتداعيات ما بعد أزمة الكورونا، ومعالجة مشكلة الاعتماد على مورد اقتصادي وحيد؛ وقضية التركيبة السكانية؛ والكويتيين البدون ، وإلزام القطاع الخاص للقيام بمسؤوليته الاجتماعية، وتصحيح المسار المتبع في إدارة الدولة، وأن تراعي هذه الحكومة في سياساتها الاقتصادية المصلحة الوطنية واعتبارات العدالة الاجتماعية، بحيث تتوجه نحو بناء كويت جديدة على أسس جديدة، مثلما كان هذا الاستحقاق قائماً بعد التحرير في العام ١٩٩١ الذي تعمدت السلطة والقوى الطبقية المتنفذة حينذاك تجاهله وتعطيله.
الكويت في ١٤ أبريل ٢٠٢٠