هاهي الحكومة، بعد أن أدركت صعوبة تمرير مشروع قانون الدين العام لتغطية عجز الميزانية العامة للدولة، تحيل إلى مجلس الأمة مشروع قانون يسمح لها بالسحب من احتياطي الأجيال القادمة لتغطية أي عجز يطرأ على الاحتياطي العام للدولة، بينما المقصود هو تغطية عجز الميزانية إذ أن الاحتياطي العام للدولة قد تآكل فعلياً، وذلك جراء عوامل عدة يقف في مقدمتها فشل الإدارة المالية للحكومة. وبالنسبة لنا في الحركة التقدمية الكويتية، فإننا بعيداً عن الانسياق وراء تفاصيل المقارنة بين خياري الدين العام أو السحب من احتياطي الأجيال القادمة، فإن ما يعنينا أكثر هو تأكيد حقيقة أن هناك مشكلة مالية في الموازنة العامة للدولة تكمن جذورها الأعمق في النمط الريعي للاقتصاد ككل، وفي الاعتماد شبه المطلق على إيرادات النفط، وهو الاختلال الذي يحتاج إلى معالجات جدية وجذرية ومستدامة، ولكن العائق الرئيسي أمام تطبيق هذه المعالجات هو تحكّم المصالح الطبقية الطفيلية الضيقة للقوى الاجتماعية المتنفذة في التوجهات السياسية والاقتصادية والمالية، بالإضافة إلى سطوة قوى الفساد، وسوء الإدارة السياسية والمالية للدولة، ما يؤكد أن المشكلة ليست مجرد مشكلة مالية فقط، ولا هي مشكلة اقتصادية فحسب، وإنما هي مشكلة اجتماعية وسياسية، تتطلب قبل كل شيء تحقيق إصلاحات سياسية وإدارة عامة كفوءة ونظيفة للدولة تتبنى نهجاً اقتصادياً تنموياً وطنياً بديلاً. ومن هنا فإن السحب من احتياطي الأجيال القادمة شأنه شأن مشروع القانون السابق للدين العام، إنما هما حلان ترقيعيان وقتيان، بينما المهم هو وضع حلول جذرية مستدامة للمشكلتين الاقتصادية والمالية تدفع نحو تحقيق تحول عميق في النهج الاقتصادي باتجاه الاستدامة المالية… والخشية مالم يتم ذلك، وهو في الغالب لن يتم في ظل الأوضاع القائمة، فإن الحلول الترقيعية الوقتية المطروحة أياً كانت ديناً عاماً أم سحباً من احتياطي الأجيال القادمة ستؤدي إلى تسريع التدهور الاقتصادي عبر إضعاف الملاءة المالية للدولة. أخيراً لابد من إثارة مجموعة تساؤلات جدية حول مشروع القانون الحكومي الجديد من بينها: مَنْ الذي سيدير المبالغ المسحوبة من الأجيال في ظل الفساد والهدر والتنفيع وسوء الإدارتين السياسية والمالية للدولة؟… وما الضمان لعدم تكرار تآكل احتياطي الأجيال القادمة، مثلما تآكل قبله الاحتياطي العام للدولة؟… ثم كيف يمكن لمجلس الأمة أن يوافق على مشروع قانون السحب من احتياطي الأجيال القادمة في ظل عدم شفافية البيانات حول حجم هذا الاحتياطي وغيره من صناديق سيادية وعوائدها السنوية وكيفية إدارتها؟! وبالتالي، فإن المجتمع الكويتي معني بأن يكون على اطلاع كافٍ حول مختلف أبعاد الأمر، قبل إقرار مشروع القانون الحكومي.