بعيداً عن الخوض في الملابسات والتفاصيل الدستورية، فإن اللجوء للمرة الثانية خلال تسعة أعوام إلى تفعيل المادة 106 من الدستور بتأجيل جلسات مجلس الأمة لمدة شهر يمثّل في حد ذاته مؤشراً واضحاً على عمق الأزمة السياسية المزمنة التي تعيشها البلاد منذ العام 2011 جراء نهج الانفراد بالقرار وإدارة الدولة لمصلحة قلة مسيطرة من المنتفعين، وهو النهج الذي لم يتغيّر، خصوصاً بعدما تلاشت بارقة الأمل التي كانت قائمة في بداية العهد الجديد بتحقيق انفراج سياسي، وذلك عندما تجاهلت الحكومة المستقيلة عن عمد الرسالة الشعبية القوية الداعية إلى التغيير في الانتخابات النيابية الأخيرة، وانحازت على نحو استفزازي في انتخابات رئاسة المجلس وفي تعاملها مع تداعيات جلسة افتتاح الفصل التشريعي، ما أفقد رئيسها الثقة النيابية عبر التأييد الواسع لاستجوابه وصولاً إلى استقالته ثم إعادة تكليفه بتشكيل الحكومة الجديدة، ومع ذلك فقد استمر رئيس الحكومة المكلّف في تعطيله المقصود لجلسات مجلس الأمة، ولم يتصرف على نحو سياسي مسؤول بالاعتذار المفترض عن عدم القدرة على تشكيل الحكومة بعدما فشل في ذلك. ولئن كان تأجيل جلسات مجلس الأمة لمدة شهر يمكن أن يخفف جزئياً من الضغط الذي يواجهه الرئيس المكلّف بتشكيل الحكومة، فإنه في واقع الحال لن يسهم في معالجة الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد، وإنما سيؤدي إلى إطالة إمدها. وإزاء هذا الوضع، ترى الحركة التقدمية الكويتية أنه ليس هنالك من مخرج سوى في مبادرة الرئيس المكلّف بالاعتذار عن عدم قدرته على تشكيل الحكومة، وفتح المجال أمام تشكيل حكومة بديلة برئاسة جديدة وبنهج مختلف يستجيب فعلاً للرغبة الشعبية في الانفراج والتغيير والإصلاح وتحقيق متطلبات العدالة الاجتماعية. أما إطالة أمد الأزمة والإصرار على مواصلة النهج القائم فمن شأنهما جرّ البلاد نحو السير في طريق مسدودة، وذلك في وقت هي أحوج ما تكون فيه إلى تجاوز ضغوط الأزمتين المزدوجتين السياسية والمالية عبر التوافق الوطني والاجتماعي على تلبية متطلبات الانفراج والتغيير والعدالة الاجتماعية؛ والاستجابة لاستحقاقات مكافحة الفساد؛ ومعالجة ما يعانيه الناس من مشكلات مستعصية وتخفيف مصاعب المعيشة عنهم، والسير على طريق الإصلاح والتنمية.