في ظل ازدياد أعداد المهاجرين واللاجئين العرب، عبر البحر المتوسط، إلى شواطئ أوروبا، هرباً من وَيْل البراميل المتفجرة ومدافع جهنم، وبحثاً عن فرص أفضل للعيش من البلدان العربية، التي تحوَّلت بفضل الاستبداد والفساد الإداري والطائفية والحروب الأهلية والتآمر الداخلي والخارجي إلى كيانات فاشلة، يتصاعد خطاب الأحزاب «النيوفاشية» و«النيونازية»، تطرفاً ضد المهاجرين، بذريعة الخطر على الهوية الأوروبية والثقافة الغربية من «الغزاة الجدد»، القادمين من الشرق العربي الإسلامي، وقد تطوَّعت بعض المواقع العربية – بغباء أو بدهاء – في الترويج إلى فرضية تسرُّب «داعش» إلى صفوف المهاجرين، وهو ما دفع بعض الدول الأوروبية إلى تفضيل اللاجئين من غير المسلمين تحديداً.
لكن، تبقى حاجة أوروبا، وخاصة ألمانيا، إلى المهاجرين فوق المخاوف، بسبب شيخوخة السكان والعقم الإرادي الناتج من عزوف الذكور الأوروبيين عن الزواج الطبيعي، والاكتفاء بـ «العلاقات المفتوحة» خارج إطار الزواج وتكوين الأسر.. وبعد إقرار زواج المثليين، ستزداد الأزمة، بحيث ترتفع نسبة كبار السن بشكل مذهل عن فئة الشباب والأطفال، وهذا بحد ذاته يمنع التجدد البشري الناتج من التكاثر والتناسل، ويقلص الأيدي العاملة، والقوى المنتجة، من دون إهمال تأثير العامل الإنساني على الحكومات الأوروبية في ضرورة استقبال هؤلاء المهاجرين واللاجئين، بعيداً عن الاستجابة أو الالتفات إلى خطاب اليمين العنصري المتطرف.
ومهما انتقدنا بعض الحكومات الأوروبية على مواقفها من قضايانا العربية أو تاريخها الاستعماري، تبقى أنها أفضل من الدول العربية، إنسانياً، في احتضان المهاجرين، فقد يحظى المهاجر هناك براتب شهري لا يقل عن 400 يورو، إضافة إلى توفير السكن والتعليم والطبابة لأفراد أسرته مجاناً، بعكس بعض البلدان العربية، التي حبست اللاجئين داخل مخيَّمات، لا تقيهم الحر أو البرد.. وفي لبنان تحديداً، يُحرم الفلسطيني من العمل في أكثر من سبعين وظيفة، وفي الكويت، مثلا، يتحمَّل الوافد أعباءً مادية ثقيلة في تجديد الإقامة والتأمين الصحي، ورسوم المدارس، وارتفاع الإيجارات، ولا ننسى في هذا الإطار معاناة إخواننا «البدون»، التي تتفاقم يوماً بعد يوم، نتيجة اتساق موقف الحكومة مع موقف العنصريين، الذين لا يقلون سوءاً عن عنصريي أوروبا، في الترويج لدعاية «أن هؤلاء مقيمون بصورة غير قانونية، ودخلوا البلد بطرق غير شرعية، وأنهم يشكلون غزواً داخلياً لمجتمعنا، وخللاً في نسيجنا الاجتماعي، لو تم دمجهم وتجنيسهم»! مع أن البدون معظمهم عرب وأبناء عشائر وقبائل عربية، جاؤوا من ذات مسار الهجرات التي تكوَّن منها المجتمع الكويتي، أي من العراق وبادية الشام والجزيرة العربية وإيران، وبعضهم قدَّم تضحيات للوطن في أيام الاحتلال، تصل إلى حد التضحية بالنفس والأهل.
وأخيراً، فإن احتضان أوروبا للاجئين العرب والمسلمين، تكسر ثنائية «الأصولية الإسلاموية» ودعايتها التي غسلت عقول المسلمين، في تقسيم العالم إلى فسطاطين؛ دار حرب وسلم، بلاد الإسلام وبلاد الكفر، فالإنسانية أوسع بكثير من هذه النطاقات الضيقة، التي لا تقبل التعايش والاندماج مع «الآخر»، بحجة هويته أو ثقافته ودينه أو لونه وقبيلته.