ثمة جواب قاطع: الأغنياء من الناس هم من يفعل ذلك، فإما أن يكون هؤلاء ممسكين بالسلطة فعلاً، أو أن السلطة ليس بوسعها تجاهل تأثيرهم حتى لو لم تكن صورهم تظهر كل يوم على صفحات الصحف وشاشات التلفزة.
وفي أكثر الدول ديمقراطية، حيث الهيئات التمثيلية ذات الصلاحية، من برلمانات ومجالس بلدية، وحيث للنقابات والاتحادات الجماهيرية و«لوبيات» الضغط الشعبي ذات تأثير، فإن النخبة الثرية قادرة على تمرير ما تريد، فمن يملك المال بوسعه توجيه السياسات، إن لم يكن وضعها بصورة مباشرة.
في مطالع هذا العام أصدرت منظمة «أوكسفام» ورقة قدمت معطيات محزنة عن وضع التفاوت في الدخول والثروة على المستوى العالمي، وينقل الباحث الاقتصادي وائل جمال عنها معطى مهماً مفاده أن نصيب الشريحة التي تمثل 1% فقط من سكان الأرض ارتفع من 44% من مجموع الثروة في العالم عام 2009 ليبلغ 48% في العام الماضي، أي حوالي نصف الثروة العالمية.
الكارثة ليست هنا فقط، وإنما أيضاً في توزيع النسبة المتبقية من هذه الثروة البالغة 52%، حين نجد أن أغلبها، نحو 46% منها، مملوك لباقي الخُمس الأغنى من سكان العالم، بينما يتشارك 80% من سكان العالم في النسبة الزهيدة المتبقية من هذه الثروة التي لا تزيد على 5,5%.المنظمة توقعت أن يزيد الأمر سوءاً في العام المقبل، حيث سيزيد ما تستحوذ عليه شريحة ال 1% من أغنى أغنياء العالم على نصف ثروة العالم، وبهذه الصورة يبلغ العالم واحدة من أكثر حقبه سوءاً في توزيع الثروات، بما يذكر بحال رأسمالية القرن التاسع عشر، قبل أن تضطر لتقديم تنازلات على صعيد الضمانات الاجتماعية ومستوى الأجور.
إلى حد كبير، يبدو هذا المآل ناجماً عما وصف بسياسات الليبرالية الجديدة، «النيوليبرالية»، التي شرعنها في حينه الثنائي ريغان - تاتشر، لتغدو نهجاً لا يقتصر على البلدان الغنية والمتطورة وحدها، إنما راجت محاكاته في البلدان النامية أيضاً، حيث ازدادت ميول تخلي الدولة عن التزاماتها الاجتماعية، وإطلاق القوة العمياء للسوق من دون ضوابط، ما أدى ويؤدي لاستقطابات حادة بين الغنى والفقر، وتدمير الطبقات الوسطى.
تزداد الحاجة في ظرفٍ مثل هذا لتوسيع دور الهيئات النابعة من المجتمع، والمدافعة عن حقوقه، فلا تكتفي بدور الرقيب الناقد، وإنما لتصبح شريكاً في توجيه السياسات.